تحت نافذتك

متكلّمٌ، وصّافٌ، مثلَ كاتب العرائض، لا يفوته تفصيل، خاصة إذا كان في هذا التفصيل سلبيةٌ تدين المقصِّر أو المرتكِب! وإذ كنتُ أستمع إليه بصبر واهتمام فلأنه بارعٌ في التشريح لا يتوانى عن ابتكار الصّفات لمن يتناولهم بانتقاده وملاحقتهم في سِيَرِهم الذاتية حتى جذورهم العائلية، مع مرور على علم النفس والاجتماع والتربية ليجعل سامعه مقتنعاً بأن الواقع أسود بسببهم ولا أملَ في نهوض ولا بناء!
يخرج من بيته متأنّقاً، يتأبّط حقيبة صغيرة، بعد أن شتم بائعها الغشاش الذي باعها وهو يحلف أنه مغلوبٌ في السّعر، ويتذمّر مسبقاً من وسائل النقل، حيث الزحام الذي لا أحد يفكّر بحلول له، لأن المعنيون برعاية مصالحه يركبون أفخم السيارات، ولا يرونه إلا في المطاعم التي تُحفظ لهم ولضيوفهم، فيها، طاولات متنحّية لكسب الراحة وتدليل النُّدل، وينظر حوله مستاءً من الحاويات، عفواً، مستاءً من السكان جميعاً الذين يكوّمون أطنان القمامة وقد رأى بعينه بيت فلان يُخرجون قشور الخضار من كل الأنواع، وبيت فلان يرمون صحون الأكل الجاهز بعد أن فرغت، وبيت فلان الذين عصروا البرتقال بما قارب خمسة كيلوغرامات، وكلهم يشكون الفقر والحاجة، فعلى الأقل ليسكتوا أو يحافظوا على النظافة! يمرُّ في هذه اللّحظة الجار المسنّ الذي يكدّ على سيارة أجرة لإعالة أسرته وفيها أحفادٌ أخذت الحربُ والدَهم كما فعلت في الكثير من عائلاتنا فيسلّم ويعرض علينا أن يوصلنا، فيبادره بعتاب: إلى متى ستبقى هذه الحديقة مهملة؟ جعلتموها مقلب قمامة ووقفاً للقطط والكلاب والأولاد الأشقياء! – أنت محق يا أستاذ، خاصة أن نافذتك تطلّ عليها. ظننّا أنك أخبرتَ مصلحة الحدائق بحالها… قاطعه قائلاً: مصلحة الحدائق نائمة وتنتظر من يوقظها على واجباتها؟ ها نحن ننتظر منذ سنوات! دمدم الجار المسنّ «المتّهم»: حربٌ ملعونة يا أستاذ وقعت علينا. كنت أظن أن ابني سيرعاني في شيخوختي لكنني وجدتُ نفسي عائلاً لأولاده، وليس بكيفي، بل بما أنزلته علينا هذه الحرب من ويلات! ردّ بكل هدوء وثقة وهو يأخذ مكانه بجوار السائق: الويلات وقعت على ناس دون ناس! – ضع حزام الأمان من فضلك. كل الناس ذاقوا الويلات من دون استثناء! وهل الويلات لها شكلٌ واحد؟ فقْدٌ أو تهجير أو خرابٌ وأنا تعلمت أن المصائب تجمع الناس ليخرجوا منها بأقلّ جراح وأوجاع لأن الفرجة لا تجدي بل أراها تشبه الشماتة، أبعدنا الله عنها.
حين انطلقت السيارة المتعَبة كصاحبها، قال السائق بعذوبة: بقي في خاطري حال الحديقة التي ساء حالها وأفسدت إطلالتك من النافذة، مستعدٌّ لإصلاحها معك ومع من يتطوّع من الجيران يوم الجمعة القادم، إنها حديقتنا أيضاً ويمكننا أن نخدمها بعد أن يبست، كما خدَمتْنا وهي خضراء!
كان زحام الصباح شديداً، بحيث شغلني عن سماع ما قاله صاحبُ نظرية: نحن نستحقُّ كلَّ شيء دون أن نبادر بأيّ شيء، والفُرجة تعلّمنا الفلسفة وفيضَ الكلام!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة