أتذكر في بداية زواجي منذ أحد عشر عاماً تقريباً، أي في «أيام اللولو» كما يُسمِّي صديقي تلك الفترة، أنني كنت ومجموعة من الأصدقاء وعائلاتهم، نجتمع بشكل دوريّ في منزل أحدنا، كتقليد أسبوعي لا نخلّ عنه إلا لضرورات قصوى، وكان أحد الطقوس الدائمة المرافقة لاجتماعنا «حفلة المشاوي» التي نتنافس من يمتلك الخبرة الأكبر في تحضير مستلزماتها، من أطايب اللحومات الحمراء والبيضاء، مروراً بالبصل والبندورة والبطاطا، ولا ننسى التباهي بعدّة الشَّوي، من منقل مميز، ومهواة من الريش، وأسياخ ذات مقابض مزينة، وما إلى هنالك، بحيث لا يخلو اجتماع من دون اكتشاف جديد، كأن نشوي بمساعدة السيشوار، أو أن نُحضر فحم السنديان ونصففه على شكل هرم ونضع بين عيدانه في الأسفل قطعة قماش مغمّسة بزيت الزيتون، بدل المشتقات النفطية من أجل ألا تختلط رائحتها وتشوّه رائحة اللحم المشوي…
ولأنني كنت العريس الجديد، قمت بشراء منقل من النوع الفاخر، ذي قوائم عالية، وقياس كبير يفي بالغرض لزوم المعازيم الكُثُر، كضربة استباقية أتفاخر بها أمام أصدقائي الذين كانوا يستخدمون منقلين، وأحياناً ثلاثة من القياس الصغير والمتوسط، كما أحضرت خلطة من البهارات الهندية الأصلية ذات النكهة الفارهة، لمزيد من التباهي، لي ولزوجتي «سيدة المطبخ وأفضل من تُتَبِّل اللحوم» كما كنت أُناديها أمام زوجات أصدقائي لأثير غيرتهن، وأحفِّز لديهن الرغبة في صناعة أطايب الطعام في العزائم اللاحقة.
هذه المشاهد انتفت من حياتنا حتى كادت تنعدم نهائياً، ولاسيما أن مستلزمات «حفلات الباربكيو» باتت بحاجة إلى قرض من العيار الثقيل، خاصةً بعدما شاهدت في أحد محلات بيع اللحوم الصغيرة، كيف وضع صاحبها «عدَّادة» للنقود، فبعض الميسورين يدفعون ستين ألفاً وسبعين ألفاً ثمن بضعة كيلوغرامات من اللحم، وعندما يكون الدفع من فئة الخمسمئة مثلاً أو الألف ليرة، فإن عدَّها يُصبح مشكلة (عويصة) ويؤخره عن تلبية بقية الزبائن.
أمام هذا المشهد المؤلم والتراجيدي والمأساوي، ما زلت أنظر، بحنين غريب، إلى المنقل الفاخر الذي اشتريته منذ عشر سنوات وبات الآن مهجوراً ومقهوراً.