عن عالم مواز
على ما يُروى؛ فقد درجت عادة عند العرب؛ وهي أن يهيم العربي على وجهه، عندما كانت تأتيه امرأته بمولودهما الجديد، حيث أول ما يفعله؛ هو البحث له عن اسم، هذا الاسم الذي سيجده بأول حيوان يلتقيه عند خروجه من خيمته.. فأول حيوان كان يُصادفه، يطلق اسمه على مولوده، وأحياناً قد يطلق اسم جماد عليه، كـ(صخر، وجلمود..) وغيرهما.. ومن هنا يُمكن تفسير عادة إطلاق أسماء الحيوانات على الأبناء من بني البشر، والتي ما تزالُ مستمرةً إلى اليوم من (جحدر، كُليب، الهجرس، جحش..) وغيرها، ثم بعد ذلك تمّ حصرها بأسماء حيوانات مُحددة، والتي لوقعها جمالية مُعينة في الذهنية الجمعية، ولذلك كُثرت مرادفات النسر، على سبيل المثال: (عُقاب، هيثم، شاهين، صقر، وغيرها) وكذلك مرادفات الأسد، مثل: (ورد، ليث، درغام، رئبال، حيدرة..)، وغيرها الكثير أيضاً..
وزاوية اليوم، ليس للخوض في هذا المجال، رغم جماليته، وإنما الغاية الإشارة إلى نوع واحد من هذا العالم الموازي لبني البشر، والذي يتقاطع معه بالكثير غير الأسماء المُشتركة، وهو هنا (الحصان)، هذا الكائن الذي كان لظهوره، وترويضه، الأثر الكبير في مسيرة التاريخ البشري، حيث كان وجوده في عصور طويلة في عالم البشرية مُهماً لدرجة استحالة التخلي عنه، وحتى اليوم، وإن تغيرت الكثير من مهامه البشرية، أو خدماته لبني البشر، إلى حالة جمالية رياضية..
غير أنه ومنذ زمن بعيد، دخل في المدونة السردية والبصرية الإنسانية، سواء جاء ذلك في النص الشعري، أو كحالة بصرية تشكيلية، ناهيك عن عشرات الأشخاص الذين يحملون اسم (الحصان)، أو أحد مُرادفاته، ولاسيما (جواد)..
وإذا ما أخذنا تجليات الحصان في التشكيل، فسيكون الحديث عن مئات التماثيل من الأحصنة، في مُختلف ساحات مُدن هذا العالم وقُراه، سواء فرس بمفرده، أو الفرس مع فارسها، وهنا نُشير إلى أنه إذا رأيت تمثال الفارس على الحصان، وأينما كنت، وفي أي دولة من العالم؛ فثمة مظاهر أمست تعني حالة بعينها، على سبيل المثال: إذا كان الحصان؛ يرفعُ قدماً واحدة؛ فهي إشارة، أو معلومة على أن الفارس قد مات متأثراً بـجراحه إثر معركةٍ كُبرى، وإذا كان الحصان يرفعُ قدميه الاثنتين؛ فتلك إشارة على أن الفارس قد قتل في أرض المعركة مُباشرة، وأخيراً؛ إذا كانت جميع أرجل الحصان غير مرفوعة عن الأرض، وثابتة عليها، فهي إشارة على أن الفارس قد مات ميتةً طبيعية، وبعيداً عن المعركة..
أما إذا ما فتشنا على مفردة الحصان، أو إحدى مردفات هذا الاسم من: جواد، وفرس، وخيل، وحتى إلى تسميات أخرى قد يأخذها الحصان مما يطلقه صاحبه عليه، فثمة مئات القصائد، التي تصف هذه العلاقة الحميمة بين بني البشر، وبين بني الحصان.
ونختم بما أشار إليه الناقد والباحث حنّا عبود في كتابه الرائع (ليليت)، وخلاله يكشف أن محنة المرأة كانت في اكتشاف الرجل– الذكر فكرة (ترويض الحصان)، حيث كان أن أعطى قوة للذكورة على حساب (الأمومة) السائدة حينها، وانتقل العالم من عصر الأمومة المُسالم إلى عصور (الذكورة) المتوحشة والمُحاربة..