استنزاف جائر
تفاقم مؤخراً استنزاف مخزون المياه الجوفي بشكل ينذر مستقبلاً بمنعكسات غير سارة ليس على صعيد مياه الري فقط بل والشرب أيضاً، وخاصةً في ظل ضعف تعويض أي من الكميات التي يتم استجرارها لقلة السنوات المطيرة خلال العقدين الأخيرين.
إن المثال الصارخ في هذا المجال هو استفحال حفر الآبار الزراعية المخالفة في شتى المواقع الزراعية والتي لم تستثنَ حتى الحفر ضمن حرم ينابيع مياه الشرب مستغلة الظروف التي سادت أثناء الحرب على سورية.. وهو أمر لا شك له تداعيات تراكمية تسببت في جفاف العديد من تلك الينابيع وآخرها ينابيع المزيريب وزيزون التي أصبحت شبه موسمية، إذ تجف طوال فصل الصيف من جراء ضخ الآبار الزراعية المخالفة ولا تعود للجريان إلا في فصل الشتاء بعد توقف ذلك الضخ لانتفاء الحاجة إليه مع هطل الأمطار.. وهو ما أدى إلى تحييدها لمعظم أشهر السنة من عملية تزويد العديد من التجمعات السكانية بمياه الشرب، وتطلب البحث عن بدائل لم تتحقق إلا بصعوبة وتكاليف عالية.. علماً أن الاستنزاف الجائر إذا ما استمر على هذه الحال فلن يكون مفاجئاً بعد مدة من الزمن جفاف تلك الينابيع بشكل دائم كما حدث لغيرها.
لم يقف الأمر عند الآبار المخالفة صراحةً.. فهناك عدد من الآبار المرخصة لصالح منشآت الإنتاج الحيواني أو السياحي وغيرها تستخدم لغير الأغراض المخصصة لها، ويوجد تحايل من وراء بعض التراخيص، حيث يتم تقديمها لمثل المنشآت آنفة الذكر لكن العمل بعد الحصول على الترخيص يقتصر على حفر البئر فقط واستثمارها في ري مئات الدونمات الزراعية من دون قيام المنشأة أساس الترخيص.
وهناك نوع آخر من المخالفات يتبدى بالتعدي على خطوط الجرّ الرئيسة لمياه الشرب وسحب كميات كبيرة منها لأغراض الزراعة، وهذا الأمر إضافة لكونه يزيد من واقعة الاستنزاف فهو يتسبب بمعاناة للتجمعات السكانية من جراء نقص مياه الشرب الواصلة إليها من تلك المصادر.
إذاً نحن أمام تعديات تمثل مع مرور الزمن تهديداً خطيراً لمياه الشرب، والمطلوب صحوة مبكرة للخروج الفوري من حالة اللامبالاة حيالها.. فتبادر الجهات المعنية بالتعاون مع المجتمع المحلي لمحاصرتها والحدّ منها تباعاً قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ندم.