تعثر المشاريع
خلّف تذبذب سعر الصرف نتيجة الحرب الشرسة على العملة الوطنية أثراً سلبياً كبيراً على تنفيذ مشاريع الجهات العامة ضمن المدد العقدية المحددة.. والأمثلة في هذا المجال حدّث ولا حرج ومن مختلف القطاعات.
إن الكثير من المتعهدين نتيجة هذا الواقع امتنعوا عن تقديم عروضهم لمناقصات تنفيذ المشاريع المعلنة خوفاً من الوقوع في مغبة الخسارة.. وإن تقدم أحد فيكون عرضه بقيم أعلى بكثير من قيمة العمل وذلك كإجراء احترازي منه لتلافي أي ارتفاعات بالأسعار مسبقاً وهو ما يدفع إلى عدم قبول العرض من الجهة العامة صاحبة المشروع وتالياً التأخر في بدء الإنجاز.
حتى من رست عليهم عقود تنفيذ بعض المشاريع تجدهم يمتنعون عن المباشرة بها رغم أن ذلك يكلفهم ترك التأمينات التي أودعوها لدى التقدم للمناقصة وذلك لأنها قد لا تساوي الخسارة الناجمة عن تقلبات الأسعار .. كما أن غيرهم ممن باشروا العمل أصبحوا يتوقفون عن الاستمرار بالتنفيذ بسبب ارتفاعات أسعار المواد بين الحين والآخر.. وما يلي ذلك هو رحلة من المطالبات والأخذ والرد بشأن تعديل الأسعار.. وإن حصل ذلك وعاد العمل لفترة فإن التالي سيكون توقفاً آخر وإعادة الكرة من جديد.. وهذا كله يعني إطالة أمد تنفيذ المشاريع ويستدعي تبريرات للتأخير بسبب الظروف القاهرة.
إن الدليل السعري الذي تعده لجان مختصة في مديريات الخدمات الفنية لتقدير قيم وأسعار المواد والأعمال لم يعد يجاري تقلبات الأسعار وخاصة بالنسبة للمشاريع التي تحتاج فترات زمنية طويلة.. وهنا يجب إيجاد آلية مناسبة للتسعير بمدد زمنية قصيرة أو وضع تحليل سعري لكل مشروع على حده، ولا بأس بطرح المشاريع بشكل مجزأ على مراحل لا دفعة واحدة، حيث ما إن ينتهي تنفيذ مرحلة حتى يتم التعاقد على التي تليها وفقاً للأسعار الرائجة التي تتزامن معها، علماً أن ذلك لا يستقيم إلا بوضع صيغ تعاقدية مرنة لا تستدعي إجراءات روتينية ماراثونية حتى تكتمل.
ولا ضير من التنفيذ بالأمانة للمشاريع – أي من قبل الجهة صاحبة المشروع – وأن تكون الأفضلية في التعاقد مع جهات القطاع العام في حال كانت إمكاناتها الذاتية تؤهلها لذلك، لأنها تكتفي بهامش ربح معقول وقد تتحمل بعض التبادلات وتستمر بالعمل لحين تعديل الأسعار.. لعلّ ذلك يسهم في تنفيذ المشاريع بفترات مقبولة وإتاحتها للاستثمار بأسرع ما يمكن.