اعتراف منقوص
متأخراً يعترف الغرب الاستعماري بجرائمه، ومع ذلك يأتي هذا الاعتراف منقوصاَ وموارباً ولا يحمل أيّ شعور حقيقي بالمسؤولية، ولا أيّ وجه من أوجه الاعتذار عن مئات بل آلاف الضحايا وتدمير مقدرات الدول، اقتصادياً وسياسياً وحتى ثقافياً، وعن نهب الثروات.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مدين لليبيا ولليبيين بعقد من الفوضى، ويقرّ بمسؤولية بلاده عن تدمير ليبيا!
الغرب لا يبحث عن براءته، لأنه يدرك في قرارة نفسه أنه لن يخضع للمحاسبة والمساءلة القانونية والأخلاقية، ناهيك عن أنه في أيّ بقعة يجد فيها مصالحه سيسوّق للفوضى تحت مسميّات مختلفة، راهناً أو مستقبلاً، وأساساً ماذا يفيد أو ينفع الاعتذار بعد استنزاف الجيش الليبي وتقسيمه وتدمير مؤسسات دولته، وإنهاك اقتصاده؟
اليد الفرنسية الآثمة دمرت ليبيا، وتستمر في تدمير سورية وغيرها، لكن ما الذي يدفع ماكرون لهذا الاعتراف؟ الجواب ببساطة، بعد نهب الثروات واكتشاف الأدوار، لا تريد فرنسا أن تكون خارج المشهد الليبي القادم، وإنما إبقاء ليبيا تحت جناحها بطريقة أو بأخرى، وربما هو استعمار بشكل آخر تقتضيه الضرورات والمتغيّرات الدولية، كما تريد، إن أمكنها، التفرّد بالمشهد، وهذا هو التفسير المنطقي لتأكيد ماكرون ضرورة انسحاب القوات الأجنبية الموجودة في ليبيا.
نقطة أخرى، هناك الدور التركي المرفوض والمنبوذ أوروبياً، وفرنسا تريد منافسة هذا الدور في ليبيا والتخلص منه، ولهذا العوامل المجتمعة المذكورة جاء كلام ماكرون على هذا النحو.
ولنا في الجزائر أقرب مثال، إذ أقرّت فرنسا بجرائمها المرتكبة خلال احتلالها الجزائر (1830- 1962) مع رفضها رفضاً قاطعاً تقديم أيّ اعتذار، لما يترتب على ذلك من مسؤوليات قانونية وأخلاقية ترفضها فرنسا والغرب عموماً، لذلك، فإن كان كلام ماكرون هو بمنزلة اعتراف وليس اعتذاراً، لكن إن كان حتى الاعتذار لا ينفع، فما جدوى الكلام أصلاً ؟
في مجمل الأحوال، الاعترافات الغربية المتكررة بجرائمها، تعد دليلاً دامغاً على العنجهية الغربية الدائمة والمستمرة ، صحيح أنه يمكن عدّ هذه الاعترافات وثائق، لكن ستبقى منقوصةً ما دامت المحاكمات والمساءلة الحقيقية لمجرمي الحرب مغيّبة.