عن قطاف البطيخ من شجرة الخرنوب
على ما يرى الأديب السوري أحمد يوسف داود؛ إنّ من يَزعمونَ أنّهم يكتُبونَ «الهايكو» اليوم؛ لا يرون فيهِ إلّا الشكلَ حيثُ يَردُ المقطعُ الشعريُّ في ثلاثِةِ أشطرْ.. وهم لا يُدرِكونَ معنى أن تكونَ وراءَ هذا الشكلِ ومُحتواهُ تلك «الروحيّةُ اليابانيةُ» الخاصةُ التي يعيشُ فيها الشاعرُ اليابانيُّ منذ عشراتِ القرونْ. ونُضيف إنّ الأمرُ ذاتُهُ ينطبقُ على الكتابةِ التي تُقلّدُ تجاربَ الشعرِ الأوروبيِّ الغَربيِّ وقد أصبحتْ وراءهُ الآنَ مئاتُ السنواتِ من التّطوُّرِ النّوعيِّ المُختلفْ، حيثُ تمّ إنتاجُ ما لا يُلخّصُ هنا من تطوُّراتٍ تقنيةٍ بكاملِ ما أعادتْ خلقهُ من أساليبِ عيشٍ ونُظُمِ حياةْ!. وإنّ كلَّ نتاجٍ إبداعيٍّ هو ابنٌ للشروطِ الحيويّةِ التاريخيةِ التي صاغتْ مُنتجيهْ.. وما عدا ذلك ليس إلّا كمُحاولةِ قَطافِ البطيخِ عن شجرِ الخرنوبْ!
اليوم ينتشرُ الهايكو، والهابيون، وحتى التانكا.. إذاً هل من خشية التغريب في هذه الحالة، وضياع خصوصية حتى لا أقول هوية، أم إنّ المسألة لا تعدو أكثر من تنويع في المشهد الثقافي؟
لاشك في إنّ انتشار ما تقدم؛ يعود بالدرجة الأولى؛ بسبب ما أتاحه «النت» من إطلاع على كل جديد ثقافي.. ويأتي كذلك بسبب الخيبة بالكثير مما هو موروث من تقنيات الأدب العربي الذي يتغنى بماضٍ ثمة شعور إنه خذلنا..!
أو قد يكون الأمر افتتاناً، أراد منه المبدع العربي تنويعاً في مشهد ثقافي سمته التشابه، وكأنه يأتي من مُحترف واحد.. صحيح إنه يأتي أحياناً بدافع الاستسهال، لأن معظم كتّابه من العرب قلدوا شكله وأفرغوه من المحتوى، لكن يكفي القليل الجيّد منه ليرمي حجراً في مياه البحيرة الراكدة، والتي هي في طريقها لتُمسي آسنة، إن لم تكن أصبحت كذلك!!
كما تبدو «مستوردة» مُختلف الأنواع الإبداعية، التي يكتبها، أو يُنتجها العرب اليوم، فعشرات من قصائد النثر، أشبه بالترجمة الركيكة لقصائد من لغات أجنبية..
وكذلك السينما، المسرح، الفنون التشكيلية بصيغتها المُعاصرة، كلها نُقلت ذات حين من الزمان من ثقافة أجنبية، وتحديداً غربية.. و(الهايكو)، ومرفقاته من أنواع أدبية تميزت بالتكثيف والقصر، ليست غريبة تماماً عن الثقافة في العالم العربي، فقد عرفت الثقافة العربية الكثير من الإيماض في الإبداع، حتى أصبح (التكثيف) أحد ملامح البلاغة في النص الإبداعي..
في الأعمال الزراعية، ثمة أمر يُقال له (التطعيم)، بمعنى يُمكن للبستاني المُجتهد أن يقطف من الشجرة الواحدة – إذا ما نجح في عملية التطعيم – المشمش والدراق معاً، أو المراب والزعرور والإجاص من ذات الشجرة..
وهنا لابأس في محاولة قطاف البطيخ من شجرة الخروب!!!