الرِّهان الصَّائب
رغم الحرب الكونية المستمرة منذ عشر سنوات، ورغم الظروف الصعبة، ورغم الاحتلال الأمريكي لسلة سورية الغذائية والنفطية والغازية والمائية والكهربائية، ورغم احتلال النظام التركي للشريط الحدودي الخصب، ورغم تكالب أكثر من 100 دولة للنيل منها، ورغم تدمير 80 % من القطاع الصحي و90% من البنية التحتية، بفعل الإرهاب ورغم تطبيق ما يسمى «قانون قيصر» وتشديد الإجراءات القسرية الأحادية بشكل متصاعد على الشعب السوري.. تهب دمشق عاصمة العروبة والعرب لنجدة بيروت، لتثبت للقاصي والداني حقيقة الشعب الواحد.. الجسد الواحد.. الوطن الواحد.. الروح الواحدة.. نعم لم تقبل سورية أن تتنفس وأحد أشقائها يختنق..
سورية الأم، قلب العروبة النابض تضمِّد جراح الجميع، تقدم الترياق لمن يطلبه، لا تعرف المنّة، ولا البخل ولا الضغينة.. لا تعرف الانتقام.. لا تعرف الشماتة، رغم علمها علم اليقين أن البعض كادوا لها وتآمروا عليها، وعملوا ومازالوا يعملون بكل ما أوتوا من قوة على تدميرها.. وهي مع ذلك تترفع عن أن تكيل بمكيالهم.
هكذا هي سورية، وهذا عهدها وديدنها، فتحت قلبها وصدرها للإخوة الفلسطينيين منذ العام 1948.. وللبنانيين بكل الاعتداءات الصهيونية… وللعراقيين أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.. وهي من زوّدت الأردن بمياه الشرب في العامين 1999، و2001 رغم أنها كانت تعاني من أزمة جفاف خانقة.. كانت الملجأ والقبلة والأمان لكل أشقائها العرب، رغم علمها بجحود بعضهم وتآمر بعضهم الآخر.. ومحاصرتها وطعنها من البعض في ظهرها وصدرها.. لكنها تنسى جحودهم وتفتح لهم ذراعيها علهم يعودون للصواب يوماً.
رغم الحصار الخانق، ورغم الإجراءات القسرية الأحادية الجانب غير الشرعية التي يساهم بها بعض من يسمون أشقاءنا إرضاء لأمريكا؛ فإنه إن وقع أحد هم في ضائقة أو مأزق هبت سورية تمسح جبينه وتداوي جراحه لتثبت أنها السند الذي يُعتمد عليه في أوقات الشدائد والأزمات وأخ بلغة الأفعال وليس الخطابات والبيانات التي يجيدها بعض العربان.
نعم، هذه دمشق، سارعت لنجدة شقيقتها لبنان، وأرسلت الأوكسجين ليتنفس آلاف المرضى اللبنانيين، ولم تسأل كما يسأل الآخرون لمن هذا الدواء.. ولمن هذا الغذاء؟..
أرسلت سورية الأوكسجين مشفوعاً بالدعاء بالشفاء العاجل، وليس كما يفعل بعض اللبنانيين من أتباع أمريكا والسعودية، وهو يصور دراجة أو شاحنة صغيرة تنقل غذاء عبر الحدود مثل أي حدود بين الدول ليطلب تشديد الإجراءات القسرية على شقيقه السوري.
سورية لا تضمر لأشقائها إلا الود والخير، لأن هذه صفات الإخوة، فمتى يعلم بعض العربان وبعض المشيخات وبعض اللبنانيين أن سورية القوية الصامدة المعافاة.. هي الضمانة لهم، وهي قلعتهم وملاذهم عندما يعز عليهم الملاذ.. فما صنعه التاريخ وخطته الجغرافيا وباركه القدر لا تستطيع طغمة باغية مرتبطة بواشنطن والكيان الصهيوني والنظام الإخونجي في تركيا أن تغيره وتفصل لبنان عن توءمه سورية.. وإسعاف مشافي لبنان بالأكسجين رغم هذه الظروف الصعبة التي تمر بها سورية خير دليل على العلاقة الأخوية البعيدة عن المصالح والحسابات الضيقة.. والرهان على سورية وقت الشدائد هو الرهان الصائب والأيام أثبتت ذلك مرات ومرات.