صباح الحبّ يا أمي
كلّ يوم وأنت العيد يا أمي, وكلّ فجر وأنت ترتلين كهديل الحمام أدعيتك, وتباركين أيامنا بدعواتك, وتملئين الكون محبة ورحمة.
أيتها الأم العذبة لا ندري كيف نالت الحرب من قلبك فأشعلت به النار, وأحرقته وأكلته, وكيف بقيت كالسنديانة المباركة تطلقين صيحات الحماس والبطولة, وتتوجين أبناءك الشهداء بزغاريد العرسان, وتنثرين العطر في مواكب العز وفوق رؤوس الجنود الأبطال .. فكانت وصاياك وحبُّك الرصاصة في وجه المجرمين والقتلة والخائنين.
اليوم كبرنا يا أمي خرجنا من عباءتك .. وصار القلق يضنينا ونخشى على صغارنا وصغيراتنا .. كم من الأيام مرت وهمسات دعائك تحرسنا وتحمينا وتراتيل القرآن وكتبك المقدسة, تغمرنا بالهدوء والسكينة .. وصار الغياب عنك محكوماً بطول انشغالنا وأعمالنا لكن زحمة الحياة وأمواجها العاتية لا تلبث أن تقذف بنا إلى شاطئك فنركع في حضرتك, ونخفض أجنحتنا لرحمتك وعدالتك, يا أمنا الرائعة أمام أحزانك وجراحك وصمتك لا أجد ما يقال سوى دموع تغسل الوجوه التي أطفأها الظلام .. اليوم أنت وحدك تزرعين القمح وتخبزين للفقراء وتطعمين أبناءك, وترقّعين أثوابهم وتخيطين للصبايا فساتين العرس في انتظار عودة البواسل من جبهات القتال..اليوم يا أمنا زاد حملك وكبر همك وفوق صدرك جبالٌ من الأنقاض والخراب..وأنت أيتها المباركة والطاهرة تزفين الشهداء وفلذات الأكباد وتقدمين من التضحيات ما تعجز عن وصفه الأقلام بدماء أحبائك بصور ذكرياتهم الغالية, وتنهضين أمام الواجب المقدس في محراب الوطن الغالي بإرادة وقوة وبسالة, لا مكان للمتخاذلين والجبناء في هذا الوطن المبارك ولن يدنسه الغرباء مهما بلغت قوتهم, ومهما تعاظم إرهابهم وإجرامهم, أنت يا أمنا الشجاعة بعد كل معركة تعلنين النصر, وتنزعين ثياب الحداد نعدك بكل الحب والتضحية والشجاعة التي أرضعتها أبناءك أننا من هذا البلد الطيب ومن فوق ترابه الطاهر سنصنع نصراً وسلاماً وحباً يضيء العالم بأنواره, ويكون قصة خالدة للبطولة تليق بأم تودع ابنها إلى جبهة العزِّ والكرامة.