الحرس المنتحر.. رسائل!
“يجب أن تتعامل مع موظفيك بطريقة أفضل بدلاً من إهانتهم وتهديدهم بالطرد التعسفي وإذلالهم ونعتهم بالخونة والكاذبين، كل رجل منّا له كبرياؤه، وبسبب تحقيرك لي ولزملائي باستمرار لم أستطع تحمّل كل هذا الكمّ من الإهانات؟ فقررت الانتحار خير من أن أبقى تحت رحمتك”.
بهذه الكلمات المعبّرة والبسيطة؛ خاطب محمد بولوك -الحارس الشخصي الأول لرئيس النظام التركي- “سيده” قبل انتحاره..
الرسالة –الوثيقة- لا تحتاج تفسيراً، فهي بحد ذاتها تحمل رسائل لنظام أردوغان الاستبدادي، التسلطي، التعسفي.. لكن الرسالة الأبلغ هي أن هذه الظاهرة باتت متفشية في الحلقة الأولى من حرس أردوغان الأول، وهي ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة..
النائب عن حزب الشعب الجمهوري، الأكبر والأكثر انتشاراً في تركيا، مراد باكان، طالب أردوغان وأركان حكمه بفتح تحقيق شفاف ومهني عن أسباب انتشار حالات الانتحار المشهودة والموصوفة، والمسجلة في الحلقة الأولى من ضباط الشرطة وحماية أردوغان وأفراد أسرته..
وسأل النائب: “هؤلاء الشباب، في مقتبل العمر، يريدون أن يصبحوا ضباط شرطة، ثم ينتحرون. ما الذي يدفعهم للتخلي عن حياتهم”؟
مطالبة إن دلّت على شيء، فهي تدل على أن ظاهرة الانتحار أمست حالة ملموسة، وأساسية، تضرب المجتمع التركي، على الرغم من أن المجتمع التركي يغلب عليه الطابع المسلم الذي يحرّم الانتحار. ظاهرة تفشت وأمست سائدة منذ تولي أردوغان مقاليد الحكم، والتفرد بالحكم، وإقصاء كل الأحزاب، والتضييق على الأتراك، بسبب مزاجيته المتقلبة والعدوانية.
ما جرى ويجري، وما حدث ويحدث في الصف الأول في أركان الحكم المطلق لأردوغان أمر طبيعي ونتيجة حتمية، بعد أن سيطر على المنتحرين الشعور بالإحباط والقهر والانعزال جراء سياسة أردوغان وأركان حكمه وأسرته، وهو ما أوصل هؤلاء إلى قناعة بأنهم في مجتمع لا ينتمون إليه، لذلك آثروا الانتحار، والرسائل التي يكتبونها لتبرير انتحارهم ستبقى وصمة عار في جبين أردوغان مهندس الشر والحقد والكذب، ومفتعل الحروب والأزمات مع جيرانه وأصدقائه وحلفائه، وهذا أمر طبيعي أن تعود كرة الدم إلى أفراد حكمه؛ ألم يكن هو الطرف الأساسي في الحرب على سورية على مدار عشر سنوات، ومازال يهرب إلى الأمام؟.. وفعل الأمر ذاته وإن بدرجة أقل مع جيرانه العراق، وقبرص، واليونان، وأرمينيا وأذربيجان، وصولاً إلى ليبيا، والصومال، وحتى شواطئ أوروبا الغربية، بل أبعد من ذلك.
لاشكّ في أن سياسات أردوغان التوسعية المعبرة عن “طموحاته العثمانية”، بعودة خلافة أجداده البائدة، هي التي أوصلت تركيا إلى ما هي عليه، ما انعكس على المجتمع التركي الذي يعيش هذه الأيام أسوأ وأصعب الظروف من بطالة وانهيار لليرة التركية، وارتفاع لافت لمعدلات الانتحار والجريمة، ليس في الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وإنما في أوساط الأطباء والصيادلة والمهندسين وكبار المسؤولين، رغم تكتم نظامه على استفحال هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع التركي.
لا نأتي بجديد إذا قلنا إن سياسات أردوغان العدوانية أمست معروفة وبدهية لكل العالم، وحتى لأفراد حزبه «العدالة والتنمية»، حيث انشقت عنه شخصيات كبيرة وأسست أحزاباً.
ورغم كل الإنذارات والتحذيرات لم يتعظ أردوغان وأركان نظامه من افتعال النيران حوله.. الأمر الذي يؤكد أن هذا النظام على أبواب انفجارات وأزمات وارتدادات كبيرة، لا تنفع معها سياسة الهروب إلى الأمام، أو الالتفاف والتي يجيدها، ولا الاستدارات التي يحترفها لأنه استنفد كل الوقت وحتى الضائع منه، وحانت اللحظة الحاسمة ليدفع ثمن سياسته وتدخلاته وحروبه بحق جيرانه والمنطقة، وبحق أفراد شعبه من جهة أخرى.
الإشارة انطلقت من مرافق أردوغان الشخصي وتشير للأزمات المتراكمة والمركبة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي سببها هذا النظام، وعليه تحمل النتائج..