أعرف صديقاً، مهما وصلت درجة التهاب بلعومه، وتخرُّش قصباته الهوائية، وانتفاخ جيوبه الأنفية؛ فإنه مُقتنع بأن دواءه الوحيد الناجع هو حبة «الخمسمئة» ذات اللونين الأحمر والأسود، وإن صار وطلب من أحدهم أن يحضر له حبوبه من الصيدلية، فإنه «ينطّ ولا يحطّ» إن كانت تلك الحبوب من غير ذات اللونين، ولو في داخلها التركيبة الدوائية ذاتها، وإن أي محاولة لإقناعه بأن لون الكبسولة لا علاقة له بمحتواها ستبوء بالفشل، حتى إنه متيقن أن حبتين خمسمئة أفضل بألف مرة من حبوب «الإيسترومايسين» التي أثبتت نجاعتها في مواجهة الالتهابات التي يسببها الكورونا.
وفي السياق ذاته، إحدى قريباتي المُقرَّبات تأبى أن تشتري كنزة أو بنطالاً ما لم تكن من إحدى «الماركات» الأثيرات إلى قلبها، بغض النظر إن كان نوع القماش لماركة غير معروفة أفضل، أو القَصَّة مميزة أكثر، إذ إن هوسها باسم المنتج يفوق بمئات المرة موضوع الجودة والموديل، ولا «يفرق معها النَّصب والاحتيال» المُعلَن الذي يقوم بهما تُجَّار الماركات برفع أسعار منتجاتهم أضعافاً مضاعفة بسبب اسم «الماركة» الذي بات علامة مسجلة على لوائح الأذواق النسائية «المشلّخة».
ومن الحالات الموازية، إلصاق الألقاب أثناء التعريف عن النفس، والتي من دونها يشعر المرء أنه بلا ملابس، من مثل الباحث «فلان» وهو لم يبحث في حياته إلا عن فرص العمل، أو المُفكر «علّان» وأكثر ما يُفكِّر فيه بماذا سيملأ بطنه على الغداء، والمُحلِّل الاقتصادي «علتان» بينما أكبر تحليلاته كانت في أن يقتصد على ذاته، والشاعرة «فلانة» وأكثر شعور انتابها هو الحَرّ الشديد حتى في كوانين، وعالم الطاقة «س» الذي يوزِّع طاقته السَّلبية على العالم برفّة عين، وغير ذلك من أمراض لا تنفع معها سوى حبة تحت اللسان، أو حبة الـ«خمسمئة لأمثال صديقي آنف الذكر.