لم تكن العلاقات الروسية- الأمريكية، المثقلة أصلاً بإرث طويل من التعقيد، تنتظر هذا التصعيد الذي بدأ مؤخراً من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن.. وإن كان هذا لم يكن مستبعداً من جانب الكثير من المتابعين لملف العلاقات الثنائية.
ما سبق تصعيد الإدارة الأمريكية الأخير كان يشي بأن الأمور واصلة لا محالة إلى هذه النقطة الخطرة، لا بل قد لا تتوقف الأمور عند جزئية معينة، بالنظر إلى عديد الملفات العالقة بين الطرفين.
إن نظرة سريعة على سير الأحداث، منذ أن صدرت “وثيقة الدليل الإستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأميركي” -والتي تعد دليلاً استرشادياً- وما تضمنته من ملامح عامة لتوجهات الإدارة الأميركية الجديدة، تقول إنه يجب توقع ما حصل.
فقد اعتبرت الوثيقة الصين “تهديداً إستراتيجياً” كبيراً لأمريكا، وعلى ضوئها سعى وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان في آسيا لتشكيل ما أطلق على تسميته “حلف ردع موثوق به” أمام الصين.
وحسب الوثيقة نفسها تمت الإشارة إلى الدور الروسي على أنه “سلبي” على ضوء ما اعتبرته واشنطن مساعي موسكو لتوسيع وتأكيد نفوذها على المستوى الدولي.
أيضاً في السياق جاء تصريح بايدن الذي يرى صعوبة تطبيق سحب الجنود الأمريكيين من أفغانستان في أول أيار المقبل..
هذه المعطيات التي برزت خلال قرابة مئة يوم في البيت الأبيض، لابد أن تعطي فكرة واضحة عن التوجهات الأمريكية في المرحلة المقبلة، ليس هذا فحسب بل علينا أن نتوقع كباشات أخرى في الساحات الساخنة حيث التماس الأمريكي- الروسي.
مع تصريحات بايدن الأخيرة يكون العداء الأمريكي لروسيا قد بلغ مستوىً غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الدولتين، وهذا ما سوف يدعو موسكو لأن تبحث عن أوراق القوة الممكنة في المواجهة المتصاعدة.
من الطبيعي أن تسعى روسيا ضمن كتلة خياراتها ومصالحها في عدد من ساحات التجاذب والصراع الدبلوماسي والسياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الإفصاح عن رغباتها وميولها السياسية بمقاربات قد لا تحاكي ما تريده واشنطن في بعض الملفات الإقليمية الشائكة.
بالعموم التصعيد الأمريكي ومحاولات “النبش “في الدفاتر القديمة والبعيدة، وإنشاء اصطفافات تضم دولاً وقوى تبحث عن المكاسب، لن يؤدي إلى حلول ناجعة، وفي المقابل فإن هذه الاصطفافات ستصب في بوتقة الخلاف المؤطر بالمصالح التنافسية، وسيكون الطريق أمامها مسدودًا.
الإدارة الأمريكية الجديدة قريبة من تجاوز مئة يوم على توليها السلطة، وما صدر عن فريق بايدن، وتصريحات الأخير عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما قاله بحق الرئيس بوتين هو شطط خطير وستدفع إدارته ثمناً باهظاً لاحتواء آثاره..
بايدن ليس غراً في السياسة، بل ثعلب مراوغ خبر جيداً الدهاليز السياسية، وما نطق به يقول إن نيات مبيتة وأشياء أخرى تتحكم بإعدادات الضبط الخاصة به..