«بلا منيّات»..؟!

رغم ضيق الحال لم يكن يعتقد أنه سيضطر حتى في أشد أيامه قساوة للاعتماد على «المعونات»، لكن الحرب على سورية فعلت فعلتها وأجبرته على فعل «المحظور» بغية تدبير شؤون أسرته، فـ«الراتب» غير قادر على الصمود أمام غلاء جنوني ومعيشة تحتاج إلى مئات الآلاف لا يتوافر منها سوى «النزر اليسير».. واقعٌ صعبٌ لم يألفه المواطنون مسبقاً في بلاد كانت تعدّ بلد الفقير لكنه أصبح ينطبق على فئات اجتماعية كثيرة وجدت نفسها تحت ضغط الحاجة مجبرة على أخذ حصتها من المعونات المادية أو العينية لعلها تكون «بحصة» تسند «جرّة» مستلزمات الحياة المتزايدة، التي لم تعد تقوى عائلات عديدة على تحمّلها.

انتظار المواطنين المنكوبين في معيشتهم «المعونات» من أي جهة كانت واعتبار الظفر فيها نصراً للجيوب الفارغة يشيران إلى خلل اقتصادي واجتماعي وفشل إداري في حلحلة الشؤون المعيشية بالاعتماد على موارد الاقتصاد المحلي وقطاعاته المتنوعة، التي هدرت واستنزفت من دون الاستفادة من بركاتها، أو للأسف تذهب إلى جيوب قلة قليلة فقط، فالاستمرار بالاعتماد على هذه المعونات ينذر بوجود مجتمع استهلاكي يجعل الجهات المانحة متحكمة في لقمة العيش، وهذا ما لم نألفه يوماً، فإن أجبرتنا الحرب على هذا الفعل غير المستحب فيفترض بعد أن خفّت تداعياتها العسكرية إيجاد مخرج آمن للمواطنين عبر الاستغناء كلياً عن معونات قد تسهم في تخفيف بعض الضغط المعيشي، لكنها في الطرف المقابل لها نتائج سلبية على المدى البعيد، حيث يسهم وجود إدارة اقتصادية كفوءة في إيجاد حلول مثمرة للضائقة المعيشية والمالية الحالية عبر استثمار ذكي للإمكانات الكثيرة الموجودة في قطاعات اقتصادنا المُنتجة وتحديداً في الزراعة والصناعة، ففي البداية قد تكون هناك غصّات يفترض احتمالها لكن سيكون المكسب كبيراً بالعودة إلى ما كنا عليه كمجتمع منتجٍ وليس استهلاكياً ينتظر بعض المعونات لسد الرمق لا أكثر ولا أقلّ.
الرغبة في التخلي عن المعونات لا يلغي قطعاً الدعم الحكومي المفروض توجيه بوصلته بطريقة صحيحة يعود نفعها على المستحقين فقط أو قيام قطاع الأعمال بمسؤولياته الاجتماعية المنسية بالنسبة لرجالاته الذين نالوا دعماً منقطع النظير في أوقات الرخاء والحرب لكن لم يبادلوا المعروف بالمعروف – للأسف – باستثناء قلة لا تتجاوز أصابع الكف، فمن المفروض في مثل هذه الظروف إطلاق مبادرات اجتماعية فاعلة بدعم من غرف التجارة والصناعة تستهدف الفئات الأكثر احتياجاً بدل ترك الساحة فارغة لجهات مشكوك في نياتها، إلى حين تحقيق الفرج المنتظر بالخلاص من الأزمات المعيشية عبر إنتاج صنّاع المطبخ الاقتصادي حلولاً ذاتية تطعمنا خبزاً من قمحنا بلا انتظار ولا منيّات!.
rihabalebrahim@yahoo.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار