دسُّ سُمٍّ في الدَّسَم

من يتعمق في الحوار الهاتفي الثالث من نوعه منذ تنصيب بايدن بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير خارجية الكيان الصهيوني غابي أشكنازي، يعتقد وهلة أن هناك تغيراً في السياسة الأمريكية في المنطقة، وفتوراً وبروداً وتراجعاً عما سمي بـ «صفقة القرن».!

الحقيقة تشي بغير ذلك -وقبل الولوج في التوضيح- اعتدنا أن نلقي كل مثالبنا وإحباطاتنا على أمريكا وهي طبعاً ليست بريئة، وإنما شريكة في سفك الدم الفلسطيني والعربي.. ولكن نحن العرب علينا كل المسؤولية مما نحن عليه.. وبالعودة إلى مكالمة بلينكن– أشكنازي لا يهم إن كان المُسرب مجرد مسرحية معدة بشكل محكم، أم مصادفة، ولكن المؤشرات بدأت تظهر وتشي بالحقيقة، التي تقول: هناك غرفة عمليات مشتركة بين “إسرائيل” وأمريكا للتخطيط والمشاورة والتنفيذ والتملص وفي أدق الأمور.

قبل عرض شيء من واقع حال المنطقة، سوف نعرج على بعض ما يحدث لنرى الطرف الأساسي فيها.

هل هناك ربط بين الاعتداء الأمريكي على السوريين الآمنين في منطقة البوكمال من دون وجه حق وبذرائع واهية وبين احتراق السفينة “الإسرائيلية” في بحر عمان والمنطلقة من مرفأ الدمام السعودي باتجاه سنغافورة، واحتمالية إلصاقها لاحقاً بمحور المقاومة، مع الاتصالات المكثفة الإسرائيلية- الأمريكية، بالتزامن مع تأجيل جلسات الاستماع إلى محاكمة نتنياهو الغارق في الفساد حتى 5 نيسان القادم، أي بعد الانتخابات المبكرة التي دعي إليها في آذار القادم؟ نعم هناك ربط، سوف نحاول الإجابة عنه وقراءة ما بين السطور.

بالعودة إلى السم الذي دسّه بلينكن- أشكنازي في الدسم، فماذا كان يقصد الأول بـ”دولة يهودية ديمقراطية”؟.

ساذج من لا يأخذ هذا على محمل الأهمية والخطورة، فالمراد إيصال رسائل إلى الداخل الفلسطيني المحتل، وإلى الطرف العربي المطبع، وإلى اللوبي اليهودي في أمريكا.

أولى هذه الرسائل أن «المواطنة» من حق اليهود فقط، ما يعني دولة دينية ليس للفلسطينيين أي حق فيها بالمستقبل؟ وإذا افترضنا أنها زلّة لسان -رغم أن الأمريكيين لا زلة في قاموسهم وكل شيء مقصود- ماذا كان يقصد «إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة»؟ هل يعني أن ما جرى وما تم تطبيقه والاتفاق عليه منذ سنوات في عداد الموت؟ أي إن اتفاقات أوسلو 1 /1993، وأوسلو 2 /1995 أكل عليها الزمن وشرب؟ ولم تكن قابلة للحياة ومجرد حبر على ورق؟ ألا يعني هذا وأد الصهيو- أمريكي لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإلى حدود 4 حزيران 1967؟ بل ماذا عن دمج القنصلية الأمريكية بالسفارة الأمريكية وإبقائها في القدس المحتلة؟ بل ماذا عن إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن منذ عهد ترامب؟ وماذا عن تخفيف المساعدات عن وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» تمهيداً لإلغائها؟ بل ماذا يقصد بلينكن في حواره الأخير مع قناة «سي.إن.إن» الأمريكية بأن «بقاء السيطرة “الإسرائيلية” على الجولان السوري المحتل ذو أهمية لأمن “إسرائيل” من الناحية العملية»؟ وماذا يقصد «أما المسائل القانونية فهي شيء آخر»؟ أي يعترف أن احتلال الجولان السوري غير شرعي وغير قانوني ومخالف لقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية..

لكنه يعترف بالغطرسة الإسرائيلية وقوة الاحتلال على المواثيق والقرارات الأممية، وماذا عن اتفاقيات التطبيع مع بعض المشيخات والعربان؟ أليس ما ينطبق عليها ينطبق على اتفاقيات أوسلو1 وأوسلو2 فهي ساقطة بالتقادم وفق المفهوم الأمريكي- الصهيوني.

كما هو واضح أن إدارة بايدن تطلق تصريحات رنانة جوفاء.. وتروّج لشعار برّاق آخر ألا وهو «أمريكا العائدة» بدلاً من شعار «أمريكا أولاً» الذي أطلقه الرئيس السابق ترامب.. ولكن نقول: من يريد السلام للمنطقة، وإعادة صورة أمريكا المكسورة، ويسعى لفرض التطبيع مع مشيخات جديدة عبر العصا تارة والجزرة تارة أخرى لا يهب “4” ناقلات جوية أمريكية لـ«إسرائيل» مصممة لنقل المعدات العسكرية إلى مسافة “2000” كم من دون الحاجة إلى الهبوط أو التزود بالوقود وهي في الطريق، وتستطيع أن تحمل كل ناقلة “8” طائرات مقاتلة، في إشارة إلى نقلها إلى النظام السعودي وفق زيفكياها يموفيتش قائد ما يسمى قوات الدفاع الجوي الصهيوني.. بل لا يزوّد «إسرائيل» بطائرات من طراز «إف-35» سكوادرون وصواريخ «أرو» طويلة المدى والمضادة للصواريخ، و«حساسات جديدة عالية الدقة» تعمل على نظام الدفاع الجوي ضد الصواريخ البالستية، أم الهدف منح الكيان الصهيوني قدرات إضافية إضافة لما يملك من آلة قتل وتدمير إجرامية، بحجة توفير الأمن لـ«دولة اليهود الوحيدة، المحوطة بأعداء يريدون تدميرها» وفق رواية رئيس الدبلوماسية الأمريكية.

هل من مشكك، بعد هذا الكم من التحيّز المطلق لـ«إسرائيل»؟

وهل من ساذج آخر من ممالك الرمال يشكك في أن أمريكا و«إسرائيل» وجهان لعملة واحدة، تستهدفان دول محور المقاومة والمنطقة العربية بخطة واحدة وغرفة عمليات واحدة؟..

هل يعي العربان ذلك.. ويعون ضرورة التنسيق مع محور المقاومة لمواجهة ذلك؟ وهذا هو الخيار الأسلم لهم وللمنطقة من التقسيم والفوضى..!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار