إبداع في الحب
مرّ ما يقرب من أسبوع على احتفال (العُشاق) بعيدهم؛ عيد الحُبّ، وقد تفننت الثنائيات العاشقة في التعبير عن مشاعر الحب فيما بينها، وتنوعت مشاهد العشق، وإن تجلت أكثرها بالدببة الحمراء..
عيد الحب؛ الذي يجمع الكثير من الباحثين إنه أسبق من حكاية القديس (فلانتاين) شفيع العشاق في مختلف أنحاء العالم؛ في شرقه وغربه، جنوبه وشماله.. فالموثقون لشؤون الحب يعيدونه إلى (إلهين) أسطوريين؛ بعد تفسيرهم لمقولة (الحب أعمى)، والرواية الأسطورية تقول: كانت تجمعُ بين إله الحب وإله الجنون صداقةٌ عتيقة، قبل أن يدخل عليها النفاق ويُفسدها، ويُفسد كل جمالياتها، وكان نتيجة فساد هذه الصداقة؛ أن بدأ الصديقان في العراك، وبنوبة إنفعال غير متوازنة؛ أدخل إله الجنون أصبعيه بعيني إله الحب، فقلع عينيه، وأفقده البصر، وربما البصيرة، وعندما اشتكى الأخير لكبير الآلهة، وبعد مداولات مطولة مع مجموع الآلهة؛ أصدر الجميعُ بالاتفاق حكمهم القاضي بأن (يقود) إله الجنون إله الحب من يديه، وإلى الأبد، ومن هنا أيضاً تمّت إضافة مُصطلح آخر في توصيف الحب، فبعد أن تماهى الإلهان بحكم كبير الآلهة؛ أمسى الحب (جنوناً وأعمى) أيضاً، حيث فُرض على الأول أن يقود الثاني ويرعاه و(يقطعه) الشارع، ويدخله في أغلب الأحيان بأقرب حائط، ومن يومها يُسجلُ التاريخ في مدوناته العاطفية قصصاً لمئات مجانين الحب العُميان..
فيما يُسجّل الباحثون الآثاريون والأركليجيون على وجه التحديد؛ أنّ أول جملة غزل قُيلت في التاريخ؛ قالها الملك رمسيس الثاني لزوجته الملكة نفرتيتي؛ فقد نُميّ إلى الغالية نفرتيتي – وهي بالمناسبة سورية عتيقة أظنها من ضيعتنا – أن جلالة الملك رمسيس عندما ذُكرت أمامه قال عنها: “هي التي من أجلها تُشرق الشمس”، يا ويح قلبي، ورغم فخامة الغزل هنا، فإنّ جلالته لم يقلها وجهاً لوجه مع نفرتيتي، وإنّ هذا الغزل الباذخ – على ما يؤكد الباحثون – ما يزال محفوراً على جدران معبد أبو سمبل إلى اليوم..
ما أودُّ الإشارة إليه؛ إنه ومنذ الأزل؛ ويبدو الأمرُ باقياً إلى الأبد، كانَ الحبُّ دافعاً للإبداع، بدأ الأمر من قصة مثيولوجية أسطورية، مروراً بغزل ملكي بين الفرعون ومليكة قلبه، ثم استراح طويلاً عند قديسٍ كان شفيعاً للعشاق، ولم ينته عند كُتّاب الأغنية، وهي التي يُسيطر موضوع الحب على أكثر من خمسة وتسعين في المئة على مضمونها وشواغلها، فيما سودت ملايين الصفحات بقصائد الغزل منذ وقف أقدم شاعر عند أقصى قبيلة في الجزيرة العربية على أطلال محبوبته واصفاً (الظعن) وطالباً من خليليه أن يقفا معه على أطلال الحبيبة لـ(يولولا) معه وينوحا على فراق الحبيب وهجره..
ولن يقف إبداع الحب على القصيدة، وإن كان الشعر أكثر حميمية في أمر الحب وأدفأ من غيره في كلمات الغزل من عمر بن أبي ربيعة وحتى نزار قباني، غير أن أمر الحب اتسع ليكون دافعاً لكل أشكال وأنواع الإبداع من الملحمة التي ماتزال تذكرنا بحرب طروادة في الزمن الإغريقي القديم حيث قامت تلك الحرب لأجل عيون العاشقين هيلانة وباريس، وتبقى مسرحية (روميو وجولييت) مُلهمة لعشرات النصوص والأفلام السينمائية كأجمل نصوص الحب..
و.. أنا
الراسخُ في ذمة الحب؛
انتظركِ
في (عيدِ الدببةِ)
كغيمةٍ من حبق..