تسوية ضد المستهلك ..!

توقّع الكثير من المواطنين أن يروا المتاجرين بلقمة عيشهم والناهبين رواتبهم ودخولهم اليومية خلف القضبان، مادامت القوانين تنص على ذلك صراحة، وتزيد بفرض غرامات مالية مليونية عليهم..!
لكن الواقع ـ حتى اليوم ـ يشير إلى غير ذلك، حيث إبرام صفقات تسوية المخالفات سيّد الموقف وليس ما ذكره معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً بشأن تسوية ثلاثة آلاف مخالفة بثمانين مليون ليرة ـ 26 ألف ليرة للمخالفة الواحدة ـ إلا تأكيد صريح لسعي الوزارة والمخالفين إلى السير بهذا الطريق على حساب ملايين المواطنين.
مبلغ 26 ألف ليرة وسطياً لمخالفة بيع مواد غذائية فاسدة.. عقوبة غير رادعة.. ولا تساوي شيئاً مقارنة بالغلاء الفاحش في هذه الأيام..!.
فهل فعلاً هذه هي العقوبات المشددة التي هددت وزارة “حماية المستهلك” التجار المخالفين بها عشرات المرات.. أو إن المسألة هي كالآتي: اختلاف أمام الكاميرات وعبر وسائل الإعلام واتفاق وتشارك خلف الكواليس؟.
وهل فكرت “حماية المستهلك” بحال طفل أكل غذاء فاسداً ودخل المشفى بحالة تسمم.. كم سوف تكون فاتورة علاجه سواء على نفقة عائلته أو مجاناً على حساب الدولة؟ أم إن هذا الأمر لا يعنيها؟!
وزارة التجارة الداخلية تعترف بانتشار الغش في الأسواق وتبرر الغلاء وتؤكد وجود المواد والسلع الرديئة وأن نشراتها السعرية لا تواكب الأسعار الرائجة بسبب تغيّر سعر الصّرف.. وكأنّها تعطي الضوء الأخضر ـ بل توسّع دائرته ـ للتجار المخالفين والمنتجين الغشاشين والبائعين المستغلين وتبرر لهم الاستمرار بتجاوزاتهم.. مادامت العقوبة محددة سلفاً نحو 26 ألف ليرة يدفعها المخالف وبعد نصف ساعة يستردها من رقبة المستهلك أضعافاً مضاعفة.. وكأن الوزارة اعتمدت أسلوب التسوية لحماية تجار الأزمات من الإحالة إلى القضاء وعقوبات السجن والغرامات الكبيرة..
هذا الإجراء “غير الأخلاقي” ويجب أن يكون غير القانوني أيضاً، زاد من انحراف الكثير من عناصر حماية المستهلك وجعلهم مترددين ألف مرة قبل تسطير الضبط بحق تاجر أو بائع لديه عشرات المخالفات في محله أو مستودعه مادام مصير الضبط التسوية بـ26 ألف ليرة فقط لا غير..!
فهل ثمن صحتنا التي أودعها القانون في ذمة حماية المستهلك لا تساوي إلا بضعة آلاف من الليرات؟.. أو إنّها تحوّلت إلى مطرح لجباية المال إلى الخزينة العامة ـ على حدِّ تعبيرها ـ وغير ذلك فلا؟
حقاً أصبح لزوماً على المواطن أن يفتّش عن ملجأ آخر يحميه من “حماية المستهلك” والتجار معاً طالما أصبحوا طرفاً واحداً ضده!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار