خلف الشاشة
عامان مرّا على تلك المفارقة؛ الدميتان الشهيرتان “كراكوز” و”عواظ” خلف الشاشة، واللقاءات الصحفية غير مرّحبٍ بها ! كان ذلك “احتفاء” بإعلان “اليونسكو” إدراج مسرح خيال الظل السوري ضمن قائمة التراث العالمي، وفي تفاصيله اعترافٌ دولي بفنٍ تاريخي يُوشك أن يندثر، وإشارةٌ إلى آخر مُخايلي سورية، شادي الحلاق، شابٌ ورث المهنة عن أبيه الحكواتي، بدأ تقديم عروضه المسرحية عام 1993 وتوقف مع اندلاع الحرب على سورية. وبحسب ما نقلته بيانات صحفية وقتها، أُعدت للمناسبة، فالحلاق صنعَ نسخةً سوريّة وحيدة للدميتين من جلد البقر، معتمداً على الألوان المائية التي تتيح نفاذ الضوء من خلالها، ويأمل أن تجد دميتاه طريقهما إلى الجمهور مجدداً.
لكن كيف أصبح في سورية “مخايلٌ واحد”، لماذا لم تنتقل هذه المهنة إلى آخرين، مسرحيين وهواة ومحبين، هل يُعقل أنّ فعاليات ثقافية لم تتوقف في دمشق وغيرها خلال ظروف أمنية ومعيشية صعبة، لم تنجح في استقطاب “الحلاق” أو أي مخايل ثانٍ، أم إن للحكاية وجهاً آخر؟
الوجه الآخر كرّسته تقاليدٌ مجتمعية، روّجت لها الدراما، لا سيما ما يسمى بـ “البيئة الشامية” ونظيراتها في حلب واللاذقية وطرطوس وغيرها، ابن الخباز، خبازٌ بالضرورة، وابن الصياد، صيادٌ حكماً، والطبيب الشعبي سيعلّم مهنته لأبنائه ومنهم إلى الأحفاد، كأنّ “المهنة” أيّاً كانت سرٌ لا يحتمل البوح، أو كنزٌ يُخشى عليه من السرقة، أو أمر لا يمكن لشخصين أن يمتلكاه معاً، هكذا استبدّ الاحتكار بمهن كثيرة، استولت عليها “عائلات” بقصد أو دون قصد، إلى أن اختفت مهنٌ تراثية وحرفٌ يدوية عمرها مئة عام وأكثر، لأسباب يصعب حصرها، بعضها فرضته الحرب على سورية، ومنها ما هو سابقٌ لها، لكن ما يهمنا هنا أنّ الأبناء كثيراً ما اختاروا مهناً أخرى، بعيداً عما احترفه آباؤهم، في فنون “الموزاييك، العجمي، الحرير الطبيعي، الأثاث الفلكلوري، النحاسيات” وما شابه، وفي النتيجة قلّت أعداد العاملين القادرين على تقديم مصنوعات ومشغولات سوريّة، ليست ديكورات أو معروضات للفرجة كما يتصور البعض، بل جزءٌ من ذاكرة وثقافة شعب بأكمله، لكلٍّ منها حكاية، لا يجب إهمالها أو الاستحواذ عليها، مهما تباينت الحجج والمبررات، وأخطرها تلك التي تسوقها جهات تدّعي دعم المهنة عبر احتكار العاملين فيها، ومنعهم من العمل مع غيرها، أليست هذه إساءة منمّقة وإعادة تدوير لمفهوم “العائلات”!؟