بديع صنيج :
لا يعرف العاشق ماذا سيفعل في هذا اليوم بالتحديد، صحيح أنه لا يعترف بالفالنتاين، ولا توقيتات الحب المُعلَّبة، كما أنه لا يستطيع أن يُشغِّل نبضه بأوامر مسبقة، تفرضها عليه العولمة ومفرزاتها، لكنه مضطر لأن “يسوق حسب السوق” وإلا تعرَّض لعتب حبيبته ولومها المديد، الذي سيُسوِّد عيشته، وسيجعله نادماً لأنه لم يرضخ لمتطلباتها ومتطلبات عيد الحب “المُفبرَك” كما يراه.
ما علينا، المهم أنه بدأ استعداداته منذ بداية الشهر، ليس كقطط شباط، وإنما شحذ قلمه وكتب قصيدة عصماء في حب حبيبته، دوّنها بخط يده على ورقة أشبه بأوراق البردي، وحرق أطرافها، وزينها بتوقيعه وتاريخ هذا اليوم، لتضيفها معشوقته إلى “ألبوم القصائد” كما تسميه، والتي تحلم بأن تطبعه بعد أن يناهز مع قصائده التي يُدَبِّجها في حبِّها المئة قصيدة، فهي من تقول له دائماً، بأنها ستسميه “مئة قصيدة حب” على وزن “مئة رسالة حب” التي كتبها “نزار قباني”، أو بما يشبه “مئة سوناتة حب” التي أبدعها “بابلو نيرودا”.
لم يكتفِ العاشق بذلك، بل أوصى محل الورد أن يصنع له باقة من الورد الجوري، لكنه بعد أن علم أن سعرها يتجاوز الأربعين ألفاً، وضع عينه على وردة جورية في حديقة جاره أبو مُلهم، وأقنعه بأن مصير حبِّه متوقف على تلك الوردة، ومن دونها سيجفُّ نبع إلهامه الشعري، فرضخ الجار من محبته، قائلاً على طريقة الممثل “صلاح قصاص”: “ألف وردة من حديقتي ولا يقولوا أبو مُلهم خائن للحب يا صديقي”.
ولم يبقَ على العاشق، سوى هدية «الفالنتاين»، وهي مربط آخر من مرابط فرس الحب خاصته، ولأنه أدرك أن أقل هدية ستُكلِّفه نصف راتبه، بينما دعوته لحبيبته إلى أي «كافيتيريا» سيكلفه النصف الآخر، لذا استدان من صديقه (سامح) ما ينقصه لتلك اللحظات الأثيرة، وهو يتمتم في قلبه: لا سامح الله من أدخلنا في هذه المتاهة، وجعل الحب مُكلِفاً لهذه الدرجة، وبدأ يغني بصوتٍ مخنوق “أهل الحب صحيح مساكين.. صحيح مساكين”.