لم يكن يعتقد أهل حلب أنّ أياماً قاسية ستمرّ مجدداً على مدينتهم الصامدة اقتصادياً رغم الإهمال في معالجة مشاكل صناعتها المتراكمة من دون إيجاد حلول أقلّها «وسطية» لتحريك عجلة معاملها المهددة بالإغلاق مؤخراً نتيجة زيادة «جرعة» عقبات «فرملت» إنتاجها, وكبّلت تصريف بضائعها المكدسة في المستودعات، على نحو أنعش أسهم «المهربات» المنتشرة بكثرة في أسواق مدينة حلب على حساب المنتج المحلي، والذي كانت الصناعة الحلبية تفخر بصنع بضاعة وصل صيتها إلى مختلف دول العالم.
معاناة العاصمة الاقتصادية المتزايدة خلال الأشهر الفائتة, وخاصة بعد مضاعفة ساعات التقنين لتصل إلى 13 ساعة تقريباً، لا تحتاج دلائل وبراهين كثيرة، فأسواقها الراكدة ومدنها الصناعية بصمتها المقيت الطاغي على هدير آلات معاملها يقدم بـ«الحجة» واقع المدينة الصعب، وهو أمر ترك بصماته على ارتفاع «دوز» الغلاء وجعل سكان المدينة «الموسومين» بأنهم «أهل مال وإنتاج» يشكون القلة وجور التجار، بينما يفترض أن تكون «حلب الصناعية» المنقذ لجيوب أبنائها ومواطني المدن الأخرى, عند توجيه بوصلة الدعم الضائع في أروقة الاجتماعات والكتب الورقية، إلى منتجين حقيقيين قادرين على وضع صناعتهم على سكتها الصحيحة وتلبية مطالبهم المحقة بما يخدم تحقيق هذه الغاية، التي تعدّ مطلباً جماعياً, وليس خاصاً بأهل حلب فقط، فالجدوى الكبرى المتحققة من عودة إقلاع المعامل تبقى أفضل بأشواط من توفير بعض الملايين عبر مازوت التقنين مثلاً، فحلب الصناعية إن انتعشت لن يقتصر خيرها على تحصيل مليارات الليرات, وضبط سعر الصرف، إذ ستعمّ بركة إنتاجها على الجميع, وستضمن تدريجياً, وقوف الاقتصاد المحلي على رجليه بدل سنده بإجراءات وقتية سرعان ما يتكشف انتهاء صلاحيتها, وعودة عطاياها على قلة قليلة.
حلب ، كما يعبّر أهلها الصابرون على وجع مدينتهم، لا تحتاج إلى منح مالية كبيرة الأرقام، فالحال «داقر» والكل يعلم، وخاصة أنّ أصحاب “الكار” الصناعي قادرون بخبراتهم المعروفة على تأمينها مع كسر الحصار عند تقديم الدعم الكافي لتنشيط الحراك الصناعي، وقد قدّمت عشرات المقترحات بهذا الخصوص, وتحديداً في المؤتمر الصناعي الثالث لو أخذت طريقها إلى التنفيذ لكنّا أفضل حالاً، وتالياً جلّ ما تحتاجه حلب وصناعتها إدارة موارد ومعالجة جدّية لتثمر نتائج ملموسة على الأرض, عبر إقلاع المعامل وإنتاج سلع تغطي حاجة السوق المحلية, واستعادة أسواق لا تزال تفضل المنتج السوري، وهذا أضعف الإيمان، فِلمَ تبخل أقلامكم عن دعم صناعة حلب الوازنة التي إن رافقها اهتمام بالفلاح وأرضه سنسير بخطا واثقة نحو الخلاص من شرّ الحرب والحصار على سورية ومن جشع تجار الأزمات.