باعة الأرصفة
وإن كنت أعلم من هي الجهة المخولة بتحمل عبء تأمين فرص عمل حقيقية لأشخاص لم تعد أعمالهم المتواضعة تدرّ عليهم ما يكفيهم كفاف يومهم فإنه من غير المعقول أن تقف مؤسسات عامة في وجه أشخاص يحاولون أن يكسبوا رزقهم بطرق أوجدتها ظروف الحرب على سورية, وجعلت من الأرصفة سوقاً يشي برغبتهم في زيادة دخلهم حتى إن وقفوا على أطراف المدن, وبالقرب من البلدات يعرضون بضائعهم التي إن لم تجد من يشتريها فسدت.
باعة «البسطات» يرون في عملهم تحدياً لظروف الحياة القاسية ووسيلة لكسب العيش الشريف، حتى وإن خضعت أعمالهم البسيطة إلى الملاحقة ومصادرة البضائع, وأخذها إلى حيث لا ندري !!! وكم كان محزناً أن أرى صاحب «البسطة» يتوسل إلى دورية (البلدية) التي كانت تصادر بضاعته, وكأنه رجل خارج على القانون, وهو الذي يأتي ببضاعته ليجد في نهاية يومه مخرجاً لمئات من متطلبات الحياة اليومية والغلاء الذي خرج عن السيطرة تماماً, وكان يمكن فرض رسم أو تنبيه المغلوب على أمره بضرورة الوقوف بعيداً عن الأماكن المزدحمة.
لا أحد ينكر الفوضى البصرية التي تخلفها «البسطات» وعرقلة المارة في أكثر الأماكن ازدحاماً, وكلّنا يذكر كيف كانت مجالس المدن عموماً تغمض عينيها تجاه انتشار «البسطات» الدائمة التي شكّل بعضها سوقاً, وتمت إزالتها بالفعل حين عادت الحياة إلى سابق عهدها.
«البسطات» هي صورة قاتمة لاقتصاد البلدان النامية، والمسألة تحتاج إلى تنظيم، وليس إلى قمع وإزالة، وخاصة أن الكثير منها هي من مفرزات الحرب على سورية التي طبعت الكثيرين بطابع الفقر.