مُنَاوَرَةٌ مَكشُوفَةٌ
من يسمع تصريحات الرئيس الديمقراطي جو بايدن عن تجاوزات وسلبيات إدارة سلفه الترامبية الجمهورية بما يخص الحرب على اليمن يعتقد للوهلة الأولى أن الإدارات الديمقراطية هي “أفضل وأسمى ولها تاريخ عميق وطويل في احترام حقوق العباد والبلاد في تقرير مصيرها”.. بينما في الحقيقة هما وجهان لعملة واحدة.. وقد يظن القارئ والسامع والمتابع أن الحزب الديمقراطي، والرئيس الديمقراطي كانا مغيبين عما جرى من أحداث.. على الأقل في المنطقة العربية عامة، والخليجية خاصة.. ومن بينها الحرب العدوانية على اليمن كل السنوات الماضية.. وبوصول بايدن «الحليم.. النبيل.. الديمقراطي الرقيق” سوف ينهي الحرب بجرّة قلم.. بينما في الحقيقة أن إدارة الرئيس باراك أوباما الديمقراطية هي من أعطت الضوء الأخضر للنظام السعودي وحلفه الذي يسمى «عربياً» ببدء الحرب، ومن ثم هي من فتحت مستودعاتها لكل أنواع الأسلحة النوعية، وهي من زوّدت النظام السعودي بالترددات وبنك الأهداف المراد تدميرها.. بل إن الطائرات الأمريكية هي من تقوم بالمهمة في أغلب الأحيان.. وهي من غطّت “شرعنة” العدوان عبر ماكينتها الإعلامية الجهنمية.. ورغم معرفتنا الأكيدة بكل هذا، هناك أسئلة تبحث عن أجوبة..
لماذا ينوي بايدن رفع الغطاء، والستر، والرعاية والحماية، والتمويل، وتخفيف درجات الدفاع عن حرب النظام السعودي على اليمن في هذا الوقت؟ ولماذا يرفض الاستمرار فيها؟ ولماذا تتم إدانتها؟ ولماذا وجه بايدن بإنهاء عقود بيع السلاح؟ ولماذا يشهّر بسلوكيات ترامب وإدارته فيما يخص الحرب على اليمن؟ ولماذا لم يضع الحق على سلفه ورفيق حزبه أوباما وهو الذي أعطى ساعة الصفر في العام 2015 لتدمير اليمن وتشريد شعبه؟.. بل هل فعلاً يريد وقفها؟ أم إنه يناور للاستدارة إلى ملفات أخرى؟ وهل الغاية استدارة أمريكية كاملة لتغيير سياساتها في المنطقة العربية والاعتذار لشعوبها عما اقترفه الأحمق ترامب؟ أم الهدف هو حفظ ما تبقى من ماء وجه أمريكا وحلفائها بعد أن فشلت أمريكا بتحقيق أي نصر بعد أكثر من /5/ سنوات حرب استنزفت خزائن النظام السعودي وحلفائه في الوقت الذي استطاع فيه اليمنيون نقل المعركة إلى عمق السعودية. وضرب منشآتها الإستراتيجية؟ أم خشية الإدارة الأمريكية الحالية المتمثلة ببايدن على حليفها النظام السعودي لأن قواعد الاشتباك تغيرت لمصلحة اليمن لأن أهله أصحاب قضية ويدافعون عن عرضهم وأرضهم وكرامتهم.. وتحولوا من الدفاع إلى الهجوم بعد امتحان صبرهم عبر صواريخ باليستية وطائرات مسيرة؟ أم الغاية هي مناورة أمريكية مكشوفة لغاية طرح شعار جديد بدل شعار ترامب «أمريكا أولاً» والذي أدى رسالته وهدفه بحلب «ضروع الخليج».. وبناء جدار المكسيك.. وفرض ضرائب على الجارة كندا.. وضرائب إضافية على الاتحاد الأوروبي.. وهدد بالانسحاب من «ناتو» وانسحب من عشرات الاتفاقيات «المناخ» و«الصحة العالمية».. والصواريخ المتوسطة مع روسيا.. والاتفاق النووي مع إيران.. ونقل سفارة بلاده إلى القدس.. وأغرى بعض المشيخات بحجة الحماية و”الخطر الإيراني” بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.. وجاء دور شعار أمريكي جديد وخطة جديدة، برعاية رئيس جديد، الذي طرح هو الآخر شعار «إعادة الولايات المتحدة إلى موقعها الريادي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً».
أم المراد أي مخرج لواشنطن بالانسحاب من بعض الملفات التي فشلت في إدارتها وتريد الاستدارة إلى ملفات جديدة غير محروقة؟ لتفريغ ما تبقى من خزائن بعض المشيخات؟ أم تريد أمريكا من هذه الاستدارة المدروسة من “الدولة العميقة” العودة إلى الملف النووي مع إيران بعد أن فشلت إدارة ترامب في تحقيق أي اختراق أو “جلب” إيران إلى طاولة المفاوضات كما كانت تشتهي واشنطن؟ واصطدمت بالقوة الإيرانية الصلبة والناعمة، بل أكثر من ذلك، لقد استطاعت طهران تحويل نقمة الحصارات المفروضة عليها منذ نجاح ثورتها الإسلامية عام 1979 إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي والتفوق في كل المجالات الإستراتجية..
أم ما تسعى إليه “الدولة العميقة” في أمريكا وينفذه بايدن حالياً هو إعادة تلميع وجه أمريكا القذر بعد أن لوثه ترامب «داخلياً» والنهاية كانت بغزو مبنى الكونغرس في السادس من كانون الثاني الماضي وخارجياً بعد انسحابها من كل تعهداتها الدولية، الأمر الذي أظهر أمريكا دولة مارقة لا تحترم التزاماتها ولا تعهداتها الدولية ولا القوانين الدولية ولم تتصرف كدولة عظمى وعضو يتمتع بحق الـ«فيتو» في مجلس الأمن.
خلاصة القول: يخطئ من يظن أن قرار الحرب على اليمن هو قرار النظام السعودي وتحالفه رغم مآخذنا عليه.. لأن هذه الأنظمة لم تكن يوماً إلا منفذاً مطيعاً للسياسة الأمريكية- الصهيونية.. وما هي إلا دمى يحركها المدرب الأمريكي من خلف الستارة.. والثابت أن بايدن يعيد رسم تحالفات واشنطن في الشرق الأوسط “لحلب ضروع جديدة” وعبر صفقات أسلحة وهمية.. والشماعة كالعادة “خطر إيران”.. فهل يتعظ العربان أم يُصرون على التمسك بغريزة القطيع؟