نظرية العرب النقدية

ثمة هاجس لدى العرب لتأصيل الإبداع في مجالاته العديدة، وذلك منذ أوائل القرن العشرين، تأصيل هاجسه السعي لمعرفة هوية الأشياء، أو إعطائها هوية، تمدّ بمجساتها صوب “عروبةٍ ما”, وذلك لأن هناك قوى خفيّة أحياناً، وأخرى تكشف عن نفسها بكل عدوانية لتفتيت هوية كهذه، إن لم يكن سرقتها ..!
ولعلّ النقد هو أقل فنون الإبداع الذي فتش النقاد عن مرجعيةٍ له، ومن ثمّ البحث في تفاصيلها عن ملامح هذه العربية فيه .. وفي مسعى لتأصيل النقد، كان الكثير من هؤلاء المؤصلين في هذا المجال، وذلك في نقد الشعر، والقصة، والرواية؛ فثمة من تحدث عن “عمود الشعر في التراث العربي”, باعتبار أن الشعر العربي كان ولايزال ركناً ركيناً في حياة العرب الأدبية والاجتماعية والسياسية، وقد ارتبط النقد بهذا الشعر منذ القديم عندهم، وإن لم يدونوه علماً أو فناً ذا أصول أو ضوابط..
هذا النقد الذي كان قائماً – على ما يرى الناقد محمود فاخوري – في بداياته على نظرات متناثرة تحكم على الشعر والشعراء، بلا تحليل كافٍ، ومرت عقود من السنين بدأت من صدر الإسلام، فالخلافة الراشدة، ومن بعدها العصر الأموي، والنقد يتطور في أسواق العرب كالمربد والكناسة في البصرة والكوفة، ومجالس الخلفاء والولاة من أمثال عبد الملك بن مروان، وأخيه بشر أيام الثالوث الأموي: جرير والفرزدق والأخطل، وغيرهم، وما كان يُطلق على أشعارهم من أحكام نقدية، ومنها ما تناول تصنيف الشعراء، أو تخصص بنقد شعر شاعر مُعين دون سواه، وشيوع السرقات الأدبية، وغير ذلك..!
رغم هذه القدامة، هل ثمة وجود لنظرية نقدية عربية؟!! الحقيقة أقيمت العديد من الندوات لتأكيد ما يمكن تسميته بهذا المصطلح، أو العمل على “إقامة” مثل هذه النظرية، كما فعل صاحب كتاب “المرايا المقعرة” عبد العزيز حمودة، باعتبار أن ثمة نظريات نقدية مماثلة في العالم ..!
وفي التناول النقدي لمثل مساعٍ كهذه؛ كان يتنازعه تياران متعارضان – على ما يرى الناقد عادل الفريجات – وهما يتمثلان بالقبول والرفض، أو بالاستنكار والتفهم، والرافضون المستنكرون يحتجون بأن العلم و النقد جزء منه لا وطن له، و إن الفكر النقدي موزع بين الأمم والأوطان لا يعرف حدوداً ولا قيوداً، وبما أنه لا توجد نظرية نقدية فرنسية مثلاً – حسب أصحاب هذا الرأي – فلا توجد نظرية نقدية عربية، أما تيار القبول والولاء للنظرية الخاصة، فيدعو للعودة للتراث العربي والبحث عما هو حي فيه، وربطه بالجديد من نظريات النقد الغربي المعاصر..!
في تقديري، ثمة ارتباك ينتاب المرء عند سماعه بـ “نظرية نقدية عربية” فما أراه هو وجود لنظرات نقدية، ومناهج نقدية، وقد توجد مدارس نقدية بالمعنى الواسع للكلمة، أما النظريات فمسألة فيها نظر!
يُخيّل لي أن المقصود هنا هو التوجه نحو “حركة نقد عربية” أو ما شابه ذلك، فالنقد الذي يُدرّس الإبداع؛ هو أحد وجوه الإبداع، وسيبقى بصفته هذه نشاطاً متفرداً يتكئ على كل ما في العالم، ويبقى بعد ذلك وجهة نظر المبدع الفرد المتفرد..!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار