مطعوم كورونا… إنهم يقتلون العالم
بقدر ما شكّل انتشار وباء كورونا ذعراً عالمياً، جاء اكتشاف المطعوم وطرحه في الأسواق، من أكثر من شركة أدوية، ليمنح العالم شعوراً بالراحة والأمل بالتغلب على الوباء الذي غيّر شكل العالم الذي نعرفه بشكل جذري.
ترافق طرح المطعوم في الأسواق بحملات مؤيدة وأخرى معارضة. تركزت حملات المعارضة على السرعة في إنتاج المطعوم، والتقنية الجديدة التي استخدمت في إنتاج لقاح شركة فايزر، والتي نالها الكثير من النقد والتهويل ونظريات المؤامرة.
شارك في حملات المعارضة رجال سياسة ورجال دين وبعض العاملين في القطاع الصحي، وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالهلوسات التي أطلقها غير المختصين.
إذا عُدنا بالذاكرة سنوات، سنجد أننا تلقينا في حياتنا الكثير من المطاعيم، وأخذنا أحباءنا لتلقيها، من دون أن نعرف اسم الشركة المنتجة أو التقنية التي استخدمت في إنتاج هذا المطعوم أو ذاك. رغم ذلك كنّا نشعر بالأمان، ونقبل على المراكز والعيادات التي تقدم المطاعيم، ونطالب الدول بتوفير المطاعيم مجاناً، بل تمكنت الكثير من الدول من القضاء على أمراض وأوبئة خطيرة كشلل الأطفال والطاعون والجدري والسل، فما الذي تغير هذه المرة؟
عاملان رئيسان ساهما في حالة الذعر التي سادت العالم، سواء تلك المتعلقة بالوباء نفسه أو المتعلقة بالمطعوم، العامل الأول كان التعامل الإعلامي والسياسي مع الوباء، الذي نشر حالة من الذعر خاصة في مراحل الوباء الأولى التي ساد فيها تبادل الاتهامات بين الدول، ومحاولة استغلال اتهام دولة بعينها بشكل سياسي في الحرب التجارية العالمية. عادت الحرب نفسها لتستعر مرة أخرى عند طرح المطعوم في الأسواق، حيث جاءت التقارير من الدول المختلفة، خاصة تلك التي تنتج المطعوم، لتركز على سيئات ومخاطر المطاعيم الأخرى. العامل الثاني ارتبط بالتغيرات الاقتصادية التي سادت العالم في السنوات الأخيرة وكان أهم معالمها انسحاب الدول من دورها الاجتماعي خاصة في المجال الصحي، ومع انتشار الوباء وفشل معظم الأنظمة الصحية في التصدي له، ألقت الدول بالمسؤولية على كاهل المواطن الذي دخل في دوامة الفيروس والأعراض وإجراءات الوقاية والحظر… وطبعا أنواع المطاعيم وتقنياتها.
أين تكمن الحقيقة إذاً؟
تقول الحقيقة العلمية الثابتة إن اكتشاف المطاعيم كان واحداً من أهم الإنجازات البشرية عبر العصور، وأن الحصول على مطعوم كورونا عمل صائب صحياً لأنه يحمي الأفراد، وصائب وطنياً لأنه يحمي المجتمعات. لكن القصة لا تنتهي هنا، للأسف، فالمشكلة الأساسية لا تتعلق بجودة المطعوم وفعاليته ولكن بآليات توزيعه على العالم.
في مؤتمر صحفي أبدى تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية قلقه مما سماه «التوجه القومي في توزيع المطعوم». المقصود هنا استيلاء الدول الأكثر ثراء على الحصة الأكبر من المطعوم لصالح مواطنيها، واستثناء اللاجئين ومواطني الدول الأخرى المقيمين فيها من الحصول عليه. كما حذر من أن «توزيع المطعوم بالشكل الحالي يمكن أن يزيد من تفاوت الفرص وانعدام المساواة في العالم».
لتحويل ما قاله السيد غيبريسوس إلى أرقام، تكفي نظرة سريعة على موقع منظمة الصحة العالمية لنجد الحقائق التالية:
المعدل العالمي لإعطاء المطعوم هو 1,2 مواطن لكل 100 ألف مواطن، وقد تجاوزت 35 دولة هذا المعدل العالمي بينها 31 دولة غربية، إضافة إلى الصين التي يبلغ معدل التطعيم فيها 1,6 مواطن لكل 100 ألف مواطن، بينما جاءت دولة الإمارات العربية بمعدل 33,7 مواطن لكل 100 ألف مواطن.
في حين تقبع معظم دول العالم تحت المعدل العالمي، وتغيب معظم الدول الفقيرة عن اللائحة. فمناطق أفريقيا جنوب الصحراء وبعض دول آسيا يبلغ المعدل فيها صفراً. في هذا الغياب الواضح للعدالة في توزيع المطاعيم، أطلقت منظمة الصحة مبادرة «كوفاكس» لتوفير 2 مليار مطعوم للدول الفقيرة. لكن جميع المؤشرات تشير إلى تعثر هذه المبادرة ومعاناتها من الكثير من المعوقات والصعاب بسبب استنكاف معظم الدول الكبرى عن المشاركة بها.
نستطيع تلخيص كل ما سبق بجملة واحدة: نعم إنهم يقتلون العالم لكن ليس بتوفير المطعوم أو تقنيته، ولكن بحرمان الفقراء من الحصول عليه.
سوف تجتاز البشرية أزمة الوباء كما فعلت عبر تاريخها. لكننا اليوم مُطالبين بتعلم الدرس الذي لقننا إياه “السيد الأبيض”. فهذا “السيد” يرانا بشراً من الدرجة الثانية والثالثة، و”حضارته” المزعومة لا تردعه أخلاقياً عن حرمان الفقراء من العلاج. الحديث هنا ليس عن دول بعينها يستهدفها الرجل الأبيض، كما هو الحال بحق سورية واليمن اللتين تُحاصران وتُحرمان من الغذاء والدواء، فنحن نتحدث عن البشرية جمعاء التي تحرم اليوم من العدالة في توزيع مطعوم كورونا. هذا الدرس القاسي يجب أن يدفع الدول الفقيرة والنامية إلى تشكيل تحالف علمي يرعى ويمول مراكز بحث علمي مشتركة، لنتمكن من حماية أنفسنا وأوطاننا عند الحاجة.
كاتب من الأردن