ثلاث كنزات صوفية فوق بعضها، اثنتان منهما من البالة، بنطلون بيجاما من القطن السميك، وتحته “شنتان” من النوع الفاخر، جوربان من صنف “البشكير المُبطَّن”، لفحة من نسج الوالدة، وطاقية صوف سميك من ماركة أجنبية معروفة، وكفَّان بداخلهما فرو هدية من صديق مغترب. كل ذلك داخل البيت، أما خارجه فيُضاف إلى ذاك العتاد جاكيت يشبه كثيراً معطف غوغول في الرواية المعروفة، وحذاء جلدي أقرب إلى جزمات الأسكيمو، وشمسية صناعة صينية خشية البلل، ورغم ذلك ما زال البرد ينخر في عظامك، وتئن كل أنّة كأنك خارج للتو من حادث اصطدام مع شاحنة قاطرة ومقطورة، ويتصاعد أنينك أكثر، عندما ترى الحشود في طريقها إلى بلودان والزبداني وصلنفة وجبل الشيخ وجبال مصياف وغيرها، ولسان حالهم يقول: «إذا لم يأت الثلج لعندك، اذهب لعنده». سبحانه تعالى على خلقه، ناسٌ «مزنطرين» من البرد في بيوتهم، وآخرون يذهبون إلى «الزنطرة» على أقدامهم، أو بسياراتهم الفارهة.
وما يزيد مقدار الزمهرير في أوصالك، أنت القابع في ملابسك كَحَمَّال الأسيّة، أن كثيراً من الصبايا يتصورن في الثلج وهُنَّ يلبسن «تنانير» قصيرة وكأنهن في سهرة، وبعض الشباب يفتحون أزرار قمصانهم الرقيقة، مُتحدِّين الصَّقيع بصدورهم العارية، بينما أنت إن أنقصت أي قطعة من عتادك الشتوي، فستشعر وكأنك أصبحت في مجاهل سيبيريا، لكن على ما يبدو أن ما كنا نسمعه عن موضوع «الدم الحامي» حقيقة، كأن يستحم أحدهم في كوانين بالماء البارد، أو يمشي حافي القدمين بين الثلوج التي ترتفع لنصف متر، أو ينام شتاءً وفوقه مجرد غطاء صيفي، لأنه لا يحتمل «الشُّوب»، مع أن درجة حرارة الغرفة تحت الصفر، والبخار يتصاعد مع الأنفاس.
بعد كل تلك المشاهدات والتحليلات، تعلنها على الملأ بأنك «كائن صيفي»، لا ينتشي بالمطر ورومانسياته، ولا يحب الثلج ولا رجاله، ولا يغريك بياضه، وحتى نسمات الربيع والخريف لا تعنيك بنص فرنك، وأكثر ما يُعزِّيك في شتاءاتك القارصة وجه طفل متورد من الدفء.