بعد بورصة العقارات التي تجاوز سعر المتر المربع الواحد منها، في الضواحي البعيدة، السبعمئة ألف ليرة، وبورصة السيارات التي جعلت السوزوكي الصغيرة ذات الأحصنة الثلاثة حلماً بعيد المنال للكثيرين، وبورصة الجواكيت التي تحتاج إلى ثلاثة رواتب موظفين لشراء واحد، وبورصة أساسيات المائدة من زيت الزيتون وحتى جرزة البقدونس، وبورصة الفروج التي استطالت أجنحتها ولم تعرف كيف وأن تحطّ حتى الآن، وبورصة اللحمة الحمراء، هبرةً كانت أم «مسوَّفة»، ناعمةً أم «مجرمشة»، مفرومةً أم رأس العصفور، والتي صارت من لازمات الحنين المُرّ، وبورصة التكاسي وسائقيها الذين لا يعترفون بالعدادات، معدَّلة كانت أم غير معدّلة، بعد كل ذلك انبثقت بورصة جديدة بالتزامن مع فترة الامتحانات، هي بورصة الدروس الخصوصية، ونسمع من ذاك وتلك عن أسعار ساعات درسية خيالية، أغلى من ساعات الروليكس الله وكيلكم، فدرس الفيزياء بثلاث عشرة ألف ليرة للساعة الواحدة، ودرس الرياضيات بخمس عشرة ألفاً، واللغة العربية ليست أقل جسارةً، فساعتها باثنتي عشرة ألفاً، ولا تبتعد عنها دروس اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وكأن حقوق الأساتذة المهضومة في المدارس، يتم تعويضها من الأهالي عبر تلك الجلسات الخصوصية، فالفرق شاسع بين 600 ليرة للساعة الدرسية النظامية ضمن المدرسة، وما يتقاضاه الأستاذ من دروسه الخاصة، والأنكى أن هناك بعض الأساتذة رغم تعرفتهم العالية، فإنهم لا يرتضون بطالب واحد ضمن ساعتهم، بل يجمعون طالبين أو ثلاثة، بحجة عدم امتلاكهم للوقت الكافي، بين تدريسهم في المدارس، ثم المعاهد، وهذه البورصة تحقق أرباحاً طائلة، لدرجة سمعت من أحد معارفي أن إحدى المدرسات لا ترضى بأقل من مليون ليرة شهرياً، صحيح أنها تعمل من الفجر إلى النجر كما يُقال، لكن المردود مغرٍ وفي سبيله يهون التَّعب، والأهم من ذلك كله، أن تلك المدرسة وأمثالها تستطيع مواكبة البورصات المعيشية كلها من دون أن يرف لهم جفن، و«العترة» على الأهالي، الذين يبذلون الغالي والرخيص من أجل بضعة علامات زيادة لأبنائهم، لاسيما إن كانوا من طلبة البكالوريا، فيتعاملون مع بورصة الدروس الخصوصية كأمر واقع، مثلها مثل بقية البورصات التي تُكبِّل حياتهم بالمرارة.