أدونيس

منذ ستة عقود؛ لم ينقطع أدونيس وهو يُشكّلُ ظاهرةً ثقافية، لا تُشبه ما سبقها، وأشكُّ في تكرارها في قادمات الأيام، كتجربة فكرية وشعرية وفلسفية لاتزالُ على تدفقها لا تهدأُ على سكون، مالئة الدنيا وشاغلة الناس بكل هذه (التحولات) التي غالباً ما كانت تنطلقُ من (ثوابت) لتخلخلها بلا هوادة، جوهرها الفكري: ينسفُ كل من يدعي امتلاكه (الحقيقة)، الحقيقة التي لم ولن تصبحَ يوماً في جيب أحد، بل لن تُمسي ماضياً، وإنما الحقيقة هي دائماً مستقبل، ومن ثم كان دائماً هذا السعي الحثيث صوبها، وهو ما أنقذ الوعي الإنساني من أن يقبعَ في عطالةٍ فكرية، تلك العطالة التي طالما كانت غاية الآيديولوجيات والمثولوجيات واليقينيات الشمولية التي كانت هدفها امتلاك وعي البشر، ووهمها. إن الحقيقة الحقة قد امتلكتها منذ آلاف السنين..
أقول؛ إنّ أدونيس لايزال ومنذ عقوده الإبداعية الستة، وهو مثال ثقافي إشكالي، لا يملُّ يُثير الجدل وطرح السؤال، وليس مؤخراً منذ سنة دخوله سنته التسعين، غير أن المناسبة الأخيرة كثفت حضوره في شرق الأرض وغربها، جنوبها وشمالها، فما إن انقضت سنة 2020، وهي سنة دخول أدونيس عامه التسعين، حتى انبرى المثقفون في كل أنحاء العالم للاحتفاء بفكر أدونيس، وفلسفته في الحياة، والعودة للحديث في تفاصيل قصيدته التي حيّرت النقاد في جمعها ملامح مدرستين فلسفيتين، ملامح قلما اجتمعت بين الصوفية والوجودية..
هذا وبدخول أدونيس التسعين، وهو لا يزالُ، وكأنه في مطالع الشباب، متدفقاً بفكره المُتقد، وقصيدته العالية؛ وقد تنوعت احتفالات المثقفين في العالم بالاحتفاء بتجربة أدونيس الإبداعية ولاسيما على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر طبيعي أن يُحتفى بأدونيس بهذا الفضاء من (الشعبوية) رغم تميز تجربته بالنخبوية الرفيعة إلى أبعد مدى، غير أنّ ابتعاد أدونيس من أن ينضوي تحت أي مؤسسة أو أيديولوجيا؛ فقد استطاع بذلك أن يضع (نخبويته) الفكرية والشعرية في مهب هذه الشعبوية دون خوف أو ريب في هذا الطرح الواسع لفكره الإبداعي المتنوّع، فكل الذين اختلفوا معه – وهنا أكاد أجزم في الأمر – كانوا مقتنعين بما يطرحه، وإن كان يُهدد كل يقينياتهم المستورة وغير المستورة، وهنا كانت قوة إبداع أدونيس، بمعظم محاضراته في مختلف عواصم ومدن العالم من بيروت إلى الجزائر إلى أربيل، وغيرها؛ وفي كل حواراته ومقابلاته الإعلامية؛ كان أدونيس يطرح أفكاره التي تجعل متلقيه في صدمة.. صدمة كمن يضع لك مرآتك أمام عينيك، ومن ثم كان لابدّ من أن يمر الوقت الطويل حتى تحظى طروحاته بالردود التي كانت تتوسع كمن ألقى حجراً في المياه الراكدة، وحقيقة هذه كانت غاية أدونيس أن يُلقي الأحجار في البرك الراكدة والآسنة، وألا يملّ رش الحامض دائماً على كلس العقول المُتحجرة..
وكأنّ أدونيس (علي أحمد سعيد إسبر 1930)؛ كان طوال الوقت يهتدي باسمه الذي أطلقه على نفسه ذات حينٍ بعيد، (أدونيس) الذي لا يملّ الانبعاث والتجدد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار