اجتمع أعضاء (دولة) اللغة العربية لتدارس حالِها، وما آلت إليه أوضاعها، بعد الكثير من الهجمات الشرسة التي ما فتئت تحاول أن تُصيبها بمقتل.
افتتح الجلسة «الفاعل» كمتحدِّثٍ عن المرفوعات جميعها، قائلاً: «لا بُدَّ لنا من تحديد جوهر المشكلة أولاً، وهل ما تتعرض له لغتُنا ناجم عن خللٍ فيها، وفي مواكبتها منجزات الحضارة المعاصرة، أم أن ما يحلُّ بها من تقهقر وتراجع هو بفعلة فاعل، خاصةً أنه لا خبر من دون مبتدأ، وكل فِعلٍ لا بُدَّ له من فاعلٍ، أو من ينوب عنه، أو على الأقل ضميرٌ يحلُّ محلَّه، لذا ينبغي أن نرفع الضيم ولا نرتضي بالسكون أبداً.
بعده وقف المفعول به نيابةً عن المنصوبات كُلِّها، ورفع صوته بالقول: (كُلُّنا مُدانون، ودود الخَلِّ منّا وفينا، لأننا ارتضينا أن نظلَّ صامتين وفي موقع ردّ الفعل فقط، بينما كان من الأجدر لنا ألا نبقى مفعولاً فينا، أو مفعولاً لأجلنا ومعنا، أو حتى مفعولاً مُطلقاً بآمالنا، علينا أن نُبادِرَ لنغيِّر حالنا، والاستثناء الذي يجب أن نسمو إليه، هو الهجوم بدل الدفاع، والتمييز هو قدرتنا على نصب مشانق من يريد للغتنا شراً).
هنا تدخَّلت «النَّواسخ» وممثِّلتُها «كان»، وقالت: (طالما أننا حدَّدنا ماذا ينبغي علينا أن نفعل، لا بد من التأكيد على تحديد زمن واضح وصريح للبدء بالفعل، أما أن نبقى في إطار عسى ولعلّ وليت وغيرها من أشباه الأفعال، فهذا لن يجعلنا مُحصَّنين ضد أي شيء).
في هذه اللحظة وقفت «المجرورات» بأسمائها وأحرفها والمضافات إليها، رافضةً أن تَجرَّ ذيول الخيبة، مُستنهضةً معها هِمَمَ «الأعداد» و«نواصب» الفعل و«جوازِمِهِ»، وأيضاً تحمَّست معها الأفعال بأصنافها كلِّها: متعدِّية ولازمة، صحيحةً ومعتلّة، مُعرَبةً ومبنية، وخرج جميع من في الاجتماع وهم يُردِّدون قصيدة «حافظ إبراهيم»: (إلى معشر الكتاب والجمع حافلٌ.. بسطت رجائي بعد بَسْطِ شكاتي.. فإمّا حياةٌ تَبْعَثُ الميتَ في البِلى.. وتُنبِتُ في تلك الرموس رُفاتي/ وإمّا مماتٌ لا قيامةً بعده.. مَماتٌ لعمري لم يُقَس بمَماتِ).