قُصارى القول

شيء ما, ينتاب أصحاب (المطولات)؛ عندما يجدون إعجاباً، أو عبارات إعجاب مثل: “مُدهش، عذب، إبداع،.. إلى آخره” مما يُبدي به قارئٌ ما رأياً ، على منشور لا يتعدى الكلمات العشر .. فينهالون “تقريعاً” واتهامات بالمحاباة المجانية بين أصدقاء، ومجموعات، ومُعجبين شُذج !!
وكأنّ المطلوب من القارئ أن يكون عباس محمود العقاد، أو طه حسين، أو كمال أبو ديب، أي من هؤلاء الذين لا يُشقُّ لهم غبار النقد.. ناسين، أو مُتغافلين عن عمد؛ أنّ ذلك “الإعجاب” السريع الذي يُكثّف على شكل “إبهامٍ” زرقاء مرفوعة، أو “قلب” أحمر صغير، وغير ذلك من (رموز) الإعجاب التي أمست بدورها تُغني عن مطولات من القراءات (الوجدانية) للنص، أو قد يُضاف للرمز “تعليقاً” من مفردات مُعادلة لتلك الرموز أو “الإيموجات”..
أصحاب المطولات، هؤلاء؛ مصرون على الإطناب في كلِّ أمر، وكأنهم لايزالون ينعمون، ويستطيبون العيش في الأزمنة الملحمية التي ولّت منذ دهور، أو هي أمست في حكم الدهور، ومن ثمّ لا يملون الترديد والمطالبة بمحاكمات علنية لهؤلاء الذي يبدون إعجابهم بنص وجيز، أياً كان شكل الإعجاب، وكيفما جاء..
صحيح ليس كل ما يُنشر من نصوص قصيرة؛ يُعتبر “مُدهشاً” ولا “عذباً”، لكنه يُشبه تماماً ما يُنشر من مطولات القصائد، والرواية والقصة القصيرة؛ حيث تتفاوت الجودة في الطائفتين من القول، طويلها وقصيرها، وهذه سنة الكتابة والإبداع.. إذاً لماذا كل هذا الغيظ والحنق؟؟!!
فمن نافل القول؛ أن نذكّر بأن (قِصرى القول) في الكتابة ليست جديداً ، وليس اكتشافاً في الأراضي البُكر، وفي الغابات العذراء، فإذا ما فتحنا كتاباً مُقدساً لدى ما يُقارب من مليار مسلم، وأقصد (القرآن)؛ فسنجد أن ترتيب (السورة) كان على شكل آيات قصيرة، ناهيك عن عشرات قُصار السور، والتي هي في قراءة أخرى (أدباً وجيزاً)، ورفيعاً، وأما في السرد؛ فيُمكن العودة إلى الأزمنة الإغريقية إلى ما قبل ميلاد السيّد المسيح؛ لنقرأ وبعذوبة كاملة قصص وحكم الحكيم الإغريقي (إيسوب) ذات الوثبات القصيرة، وغير ذلك الكثير..
غير أن الأمر اختلف منذ ما يُقارب الثلاثة عقود؛ عندما اهتدى شاعرٌ سوري، ومن غربته البعيدة في اليابان القصيّة، لأن يقرأ (ديوان الشعر العربي) من خلال البحث عن (بيت القصيد) عندما راح – وغير مبالٍ بقصف الشتائم من كل الجهات – يُقّطع في أوصال المطولات الشعرية، قاذفاً بكلّ الهدر اللغوي بعيداً، ومُثبتاً (بيت القصيد) صافياً، تماماً كمن يجمع الفلزات الثمينة من التراب..

واليوم يقول عُضيمة: “يكاد أغلبهم يستعذب الشعر، أو يكتبه بتلك الطريقة؛ طريقة المقاطع القصيرة، أو التغريد البسيط وطرائف القول، أي الهايكو، وبطريقة الضربات الذكية التي اعتمدها صاحبك، الذي هو أنا، في مشروعه: “ديوان الشعر العربي الجديد”، الذي صدر منه حتى الآن سبعة أجزاء.
ويُضيف عُضيمة: أراهن، وبحماسٍ طازج دوماً، أن الشعر سيكون في العقود القادمة، ولمدة ليست قصيرة، على شكل مقاطع موجزة، وموجزة جداً إلى حد كلمتين أو ثلاث للقصيدة الواحدة. وأما حجته فكانت، ومازالت؛ بسيطة جداً: وهي أن السرعة التي يتسم بها العصر، أو الوقت أو الزمن، أكثر فأكثر، ستفرض إيقاعها على كل شيء، وفي جميع الميادين، وتحديداً ميدان القول والقراءة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار