«إن لم تأتهِ طلبكْ»
تختلف العادات والتقاليد وتتمايز السمات والأحوال باختلاف الأجيال وتقادم الأيام، ومن الحكمة عدم محاولة التغيير القسري في ثقافة جيل خُلق لغير زمان، وهذا ما يتطلّب وعياً خاصاً ودقيقاً وفهماً للمتطلبات المتماشية مع التطورات والمتغيرات الهائلة، من دون أن ننسى أنَّ هذا لا يعني أن يكون فهم ثقافة الجيل على حساب القيم الثابتة في عناوينها العريضة وإنما التغيّر المقصود في أكثره يكون في الأسلوب والطرائق والوسائل.. ومن الطريف القول: إنَّ تحديث الأسلوب والوسيلة – كما يحصل في عالمنا هذا سريع التطور- قد يساعد بشكل مباشر أو غير مباشر على كشف الفوارق إن سلباً أو إيجاباً بين صفاتٍ تشترك فيها أجيال، وإذا كان الكرمُ أحدَ أبرز السمات التي تعزُّ المرء وترفع من شأنه في ثقافتنا، حتى قيل عنه إنه يغطي كلَّ العيوب، فهل يُقاس الآن بالمقياس نفسه، والسؤال الآخر: هل تحدُّ الشدةُ والقلّة من بروز هذه الصفة؟ أم إنَّ الكرم هو أصلاً في النفوس وما أجملهُ وقد تحوّل إلى عادة!
فما الفرق إذاً بين كريم في عصرنا هذا وبين آخر قرأنا عنه في فترةٍ ما مضت بعيداً، أو ربما عايشناه منذ عقود، وبين نظيره في العصر الإلكتروني؟ فمعظم الذين قرأنا عنهم من بخلاء الرواية والأدب كانوا يتمتّعون بشيء من الظرافة ربما تحاول أن تجمّل إلى حين قُبح الصفة الذميمة وأعني (البخل)، هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى فقد كان البخيل يحرص على أن يخبّئ ما عنده عن الأنظار والأعين، وهذا ما يدعو إلى السؤال: أيهما أفضل ذلك البخيل القديم، أم هذا العصري الذي ينشر على صفحته متباهياً حيناً ومتلائماً أحياناً أفانين ألوان الموائد العامرة ويقدمها إلكترونياً لأناس يجهدون وراء لقمة العيش في زمن الشدة والعوز، ألم يكن ابن ذلك الجيل القديم أكثر ذوقاً وأدباً في التعامل حتى في البخل؟ طبعاً هذا لا يعني أنّ الآخرين سيسابقون إلى المضي في بحر التخيل لأطعمة فاكهة هنا أو هناك بقدر اقتناعهم بقول أهل الحكمة والأدب:
واعلمْ يقيناً بلا شكٍّ يخالطُهُ بأنّ رزقك إن لم تأتِهِ طلبك..