من زاوية ثانية
فكرتُ مليّاً قبل السؤال، خطرَ لي أنّ الإقامة في دار للمسنين أو العجزة كما يطلق عليها المزاج السوري بلغةٍ أقرب للشفقة، تنضوي على شيءٍ من الإهانة، تماماً كـ “مكافأة” نهاية الخدمة!. يومها أجابني المخرج الراحل “رياض ديار بكرلي” دون إيحاء بانزعاج أو لوم، شارحاً إن العيش في دار السعادة للمسنين رغبة شخصية واختيار أقدم عليه بملء إرادته، دون ضغطٍ من العائلة كما يحلو للبعض الافتراض والتكهن، كلما تناولت وسائل الإعلام شخصية فنية أو أدبية أو إعلامية من نزلاء الدار.
هذا الافتراض عاد مؤخراً مع رحيل المخرج “علاء الدين كوكش”، حيث تناقلت صفحات الفيسبوك تعليقات وانتقادات، تُدين إقامة الراحل في دار السعادة، وتتفنن في إدانة المقربين منه، من دون أن ينتبه هؤلاء لضرورة احترام خصوصية الرجل وأسرته، سواء كان مقيماً في الدار أم في غيرها.
الغريب في الأمر، إصرار البعض على النظر من زاوية واحدة، كأنّ كلّ مقيم في دار للمسنين هو شخص منسيٌّ ومهمل، رماه أبناؤه وأخوته هناك بلا أي وازع ديني أو أخلاقي، ربما لا يعرف هؤلاء أنّ هذه الدور ليست مجانيّة، وأنّ اختيار العيش فيها شأنٌ شخصي “لمن نتحدث عنهم هنا”، تماماً كرغبة أحدنا في السفر أو الزواج أو العمل، ليس من حق أحد التدخل فيه، وإملاء الرأي، عدا عن أن أبواب الدور مفتوحة، وعلى ذلك يُمكن لمحبي أيّ شخصية مشهورة زيارتها!.
أما لماذا اختار مذيع أو مخرج أو تشكيلي، الابتعاد أو العزلة، بعد أن كان مُحاطاً بزخم الجمهور والإعلاميين والفضوليين، فهذا أمر آخر، ربما وجد في عزلته سعادة وسلاماً، ربما فرصة لحوار جديد واكتشافات مختلفة، فسحة لالتقاط النَفَس والتفكير فيما كان وما يمكن أن يكون، محطة للصمت بعيداً عن الضجة والترهات والأخطاء التي لا تخلُ تجربة حياتية منها، فكيف بمن أمضوا أعمارهم في محاولة قول شيءٍ ما، رأي أو قيمة أو فكرة، ومن يدري لعل العزلة كانت نتيجة “عزلٍ” مُورس عليهم!.