ما نتج عن زيارة محافظ الحسكة إلى أحد مراكز تخزين الحبوب واكتشاف سوء التخزين والهدر الكبير في القمح ليس جديداً، بل يمكننا القول إن هذا التخريب أحد الفصول المتكررة في التعامل مع تخزين الحبوب، إن كان بطريقة تخزين الخلايا «التخزين في العراء» أو الصويمعات المعدنية أو الصوامع، ومن هنا فإن من يدافع عن «المتهمين» في هذه العملية سيظهر كأنه محامي الشيطان؛ لأن تاريخ الفساد في تخزين الحبوب طويلٌ جداً ومتنوع الطرق والأساليب، وحتى الأدوات ليس أولها اكتشاف أكياس كثيرة معبأة بالتراب على أنها قمح، وليس آخرها صفقات الشوادر وشرائح النايلون، ولجان الاستلام وتحديد النوعية وغيرها الكثير.. لدرجة أن الفساد الذي تمّت ممارسته في هذه المؤسسة خلال عشرات السنين أفرز «مافيا» حقيقية، وكلنا يذكر التحقيقات والتقارير الصحفية التي أنجزها زملاء في مختلف المؤسسات الإعلامية والتي وضعت «المؤسسة العامة لتسويق الحبوب» تحت المجهر لأعوام طويلة، لكن المعالجات القاصرة هي التي شجعت ضعاف النفوس على الاستمرار في تخريب هذا القطاع الحيوي والمهم لدرجة أن الذاكرة مازالت تحتفظ بأسماء الكثيرين ممن أفسدوا هذا القطاع ووضعوا الأسس المتينة لاستمراره، وللأسف فما يزال بعضهم في مواقع مكّنتهم من أن يكونوا أصحاب قرار ، وبعضهم تنقّل بين عدة إدارات، وبقي التخريب والفساد والسرقة قائماً إلى الآن!
كان الدمج أولى عمليات التستر على الفساد في مؤسسة الحبوب، ثم كان الدمج الثاني والثالث؛ هو مرحلة الدفاع عن المخرّبين، بل الفارين خوفاً من العقاب، والمتهاونين بقوت الناس وخبزهم على وسائل الإعلام.
قضية القمح المهدور في الحسكة هي قضية رأي عام لا تتعلق بـ«الأقماح» وإدارتها؛ بل هي قضية كل مواطن سوري يحمل بطاقته الذكية صباحاً، ويقف على الدور ليحصل على ربطة الخبز.. ليس من حق أحد تشويه ما قام به محافظ الحسكة لأنه يعدّ إنجازاً كبيراً في مجال مكافحة الفساد، وقد تكون بعض الأصوات «المشاكسة» لهذه الخطوة شريكة في التخريب؟!