وضعتُ منذ فترة صورةَ “بروفايل” جديدة على صفحة الفيسبوك. تتالت “اللايكات” والتعليقات والقلوب الملّونة وباقات الورد المنتقاة بلباقة وكلّها غمرتني وجعلتني أسبح في غيمة أفكار وتخييلاتٍ ممتعة.
فكّرت بدايةً: لماذا فعلاً وضعتُ صورةً جديدة؟ هل من رغبة في التغيير أمْ من رغبةٍ في تلقّي الإطراء والإحساس بأنني كائن حيٌّ له تأثيرٌ ولو صغير على من حوله؟ أم من حاجة إلى تلقّي المحبّة؟! أليست معظم مصائبنا سببها نقص المحبة بين الناس؟
ثم فكّرت بشيءِ من السلبية: هل تضعُ كميّة اللايكات الإنسانَ في خانة الشخص المحبوب؟ أم هي ليست أكثر من مجاملة اجتماعية تشبه أحياناً قولنا لأحدهم “صباح الخير” فيما نخفي وراءها سيلاً من حساسياتٍ متراكمة مثل فيضانٍ محبوسٍ خلف سدّ المجاملات؟ ما معنى أن يعرِضَ المرءُ نفسه على هيئة “صورة/بورتريه”؟ أيّ نرجسيّةٍ هذه وأيّ هذيان هو هذا المتجسّد على شكل عينين وأنفٍ وأذنين وهو في الحقيقة ليسَ إلا قطعة من الزمن َمَضَتْ وانتهتْ؟!
فكّرتُ كيف حوّلتنا وسائل التواصل الاجتماعي إلى شخصيات بلاستيكية بلا طعم أو لون أو رائحة .. وفوقَ ذلك كائناتٍ مغرورةٍ ومتعالية، وتذكّرت جدتي (غزّول) رحمها الله حين كانت تقول لي في مراهقتي: “يا ابني لا تطلّع بالمراية كتير بعدين بتجنّ”!
يا إلهي. يا جدتي “أم خليفة” أيُّ جملةٍ سحريّةٍ إعجازيةٍ هذه التي تستبصرُ كيفَ يتحوّلُ النرجسيُّ إلى مجنونٍ عظمة؟ أي فكاهةٍ مُرّة لم أدركها حين كنت أطلق ضحكاتي للريح وأردّ عليكِ: “إنْ كانَ الجنون هكذا فما أحلاه”.
وكتبت: “إلى الأصدقاء الغوالي…أحبكم جميعاً دون استثناء”. لكنني تردّدتُ ومحوتُ الجملة وتذكّرت كلام جدتي “أمّون” عن أنّ: “الزايد أخو الناقص” بمعنى “أنّ كلَّ شيءٍ زادَ عن حدِّهِ انقلبَ إلى ضدِّهِ” حتى في الحبّ.
ثم حسمت أمري: بالعكس. لأبالغ في المحبّة لا بأس. أليست المحبّةُ تسعى إلى المحبّة كما المسرَّةُ التي تسعى إلى المسرّات وكما الموسيقى التي تسافرُ خلف الموسيقى !؟
وقرّرت أن أقول التالي: الأصدقاء الغالين جميعاً؛ مَنْ وضع لايكاً أو قلباً أو باقةَ ورد، ومَن لم يضع. مَن رآني بعينيه أو رآني بقلبه. مَن شاهد الصورة وفكّر في أن يضع “لايكاً” لكنه تردّد لسبب ما. مَن وضع “لايكاً” من “قلب وربّ” ومَن وضعها مجاملةً… محبتي لكم جميعاً دون استثناء.