لا يبدو حال مدينة حلب بعد إعلان نصرها الثاني متشابهاً مع وضعها المأزوم سابقاً، فوجوه الحلبيين التي تضج فرحاً تخبر كل عارف بخفايا عاصمة الاقتصاد السوري حقيقة الواقع الجديد وتوقعاته المبشرة بعودتها إلى عزها الاقتصادي وخاصة أن أهل «القدود» معروفون بقدرتهم على الإنتاج من رحم الحرب، فكيف بعد تخليصها من عوائق كبيرة حاصرت صناعتها وضيقت الخناق على اقتصادها الحيوي.
السير في شوارع حلب المحتفلة ورؤية همة سكانها العالية لصنع حياة مختلفة عن أيام سوداء عاشوها بصبر طوال سنوات الحرب يُنبئ بطيّ سريع لتلك المعاناة وفتح صفحة جديدة في مسار إعادة إعمار صناعتها العريقة، وهذا لا يتحقق من دون عودة صناعييها المغتربين وخاصة أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وتقديم كل التسهيلات اللازمة لرجوعهم بعد إعلانهم الفوري للرجوع والمساهمة في تأهيل معاملهم وتشغيلها، وهنا يمكن القول إنه برغم أهمية فتح الطريق الدولي وتشغيل مطار حلب الدولي في فك الحصار الاقتصادي عن الصناعة الحلبية وفتح أبواب واسعة لتصريف إنتاج المعامل بتكاليف أقل، لكن الأمر يستلزم إجراءات استثنائية تؤمن نهوضاً سريعاً للمناطق المحررة حديثاً، إذ إن محاولات الصناعيين في الداخل والخارج لن تؤتي أُكلها من دون دعم حكومي جدي، فكما يقال «يد واحدة لا تصفق».
إنعاش الصناعة الحلبية يشكل قوة فعلية للاقتصاد المحلي عبر دورها الحتمي في كسر الحصار الاقتصادي عند الاعتماد على الإنتاج المحلي والاتجاه نحو الاكتفاء الذاتي من خلال تطبيق الوصفة المجربة «نلبس مما نصنع ونأكل مما نزرع»، ما يؤمن حاجة السوق من السلع بأسعار مقبولة تناسب جيب المواطن كالسابق عندما كانت سورية تُعرف بأم الفقراء، وهذا يتطلب قرارات جريئة ومرنة تخط نصراً اقتصادياً يوازي الميداني أهمية، فهل سيكون هناك استثمار ذكي لقدرات الحلبيين وصناعتهم الحية أم إن مسلسل اختراع الدولاب سيحضر، وسط استبعاد الخيار الأخير في ظل سقف التوقعات العالي المدعوم حكومياً؟!
rihabalebrahim@yahoo.com