صدّر أجدادنا السوريون عيد الحب إلى العالم، ثم استورده الأحفاد بتسمية أخرى مع ضرائب جمركية ودببة حمراء وكنزات مطرّزة وبطاقات مكتوبة على عجل عبر الانترنت.. ولأن «الأكشن» في هذا العصر أهم بكثير من العواطف الجيّاشة، ساد نوع آخر من حب «المصلحة» والعلاقات العامة والاستعراض الذي يمكن تصنيفه بالنخب الثاني، على حساب الحب النبيل الذي يدفع عشتار إلى النزول للعالم السفلي كل سنة من أجل إنقاذ حبيبها تموز من براثن الموت، لتبدأ بعدها أعياد الحب والربيع والخصب.. لقد استبدلوا الحنطة المحمّصة وشقائق النعمان وزهرة البابونج، بالشوكولاته و«الشطي مطي» والأغاني الهابطة وحفلات «الدي جي» في الفنادق، حتى صار الحب يشبه «الشنطة» أو «البقجة» التي يمكن إخراج جميع أنواع المشاعر منها، فهي تحوي الجاهز والتفصيل.. مع «ديودوران» أصلي أو تقليد، أو بعطر مغشوش ورموش صناعية مع أنف «زحليطة» و«كراسي خدود».. إنه حب «التوصاية» الذي يمكن أن يتبدل ويتم تعديله حسب الطلب مع رشّة رومانسيات أو من دون!.
بالمناسبة، فإن الحديث عن عيد الحب يعدّ ترفاً بالنسبة للقلب الجائع والبردان والمثخن بالديون.. وأيضاً فإن الحب في شباط «ليس على كلامه رباط»، فهو متجمد ومرتجف ومشغول بأخبار الطقس والمنخفضات الجوية ورسالة الغاز الذكية وشحنات الدعم المعنوية التي لا تسد رمقاً ولا تروي عطشان لأن «فاقد الشيء لا يعطيه» كما قال أجدادنا الكرام.. وبما أن الحال كذلك، فمن المتوقع بعد انقضاء عيد الحب أن تعود الكراهية إلى مجاريها، مع «هزات البدن والتعصيب وتنتيف الشعر» بين المحبين، لأن القلب الجائع والمسحوب «خيرو»، لا يفكر بحبٍّ أو «غيرو»، على عكس ما قالوا بأن الحب أعمى.. فالحب يرى ويسمع ويذهب معنا يومياً إلى الدوام، لكنه يحلم بالتخلص من الشوائب، ليتجلى ويُكنّى عوضاً عن البقاء في الضمير الغائب.. فأسوأ أنواع الحب هو الحب السائب.. أما من يذوبون حباً، فألف رحمة عليهم… عرفتوا كيف؟.