مستحيل أن تتحقق أهداف التنمية وعوامل الازدهار والتطور وأي مسعى أو خطة عملية للإصلاح في أي بلد من بلاد العالم إذا كان الفساد مستشرياً في مفاصل إداراتها وقطاعاتها الإنتاجية والاقتصادية والخدماتية وغيرها من المرافق، أمر يعد من البدهيات، فهو كالداء المستعصي، صعب العلاج والشفاء مباشرة، ويحتاج تدخلات كبيرة جداً لتخرج منها نتائج صاعقة.
وإذا كان حقاً الفساد لم يؤثر في مستوى الأعمال والمهام والمشروعات، إذاً ما سبب عدم تحقيق ولو هدف واحد من أهداف أي نشاط أو برنامج بالصورة المكتملة المرضية، ناهيك بحجوم المبالغ الفلكية التي صرفتها بعض الجهات الرسمية المعنية على مدى زمن التنفيذ والإنشاء، كذلك لا أعرف تماماً مدى تأثير الفساد في إقامة المشاريع أياً منها، مشاريع البنى التحتية والتجهيزات الأساسية، كالطرق والمستشفيات ومباني الجامعات والمدارس ومقرات بعض الجهات ومايعتريها من شوائب خلال وقت قريب من وضعها بالاستثمار..!
داء خطير، ما تحتاجه مؤسساتنا بالفعل ثورة حقيقية في مجال الرقابة والعمل المتفاني حفاظاً على كل ليرة من اعتماداتها، ووجوب صرفها بأمكنتها الخاصة تجنباً لحصول أي حالة سرقة أو هدر..!
الحديث عن الفساد وأشكاله وأبطاله حديث قديم وجديد، ترتفع حدة النبرة والنيّات حياله مع اكتشاف حالة فساد لحيتان كبار، أو لصفقات مشبوهة، وأي كلام يحقق الرضا والقبول لدى العامة، ويشيع حالة نفسية أن الجهات المسؤولة تراقب وتتابع وتحاسب كل من تسول له نفسه التلاعب أو ممارسة حالة فساد، وما نتج مؤخراً عن صدور قرارات حجز احتياطي طالت أسماء كباراً لهو دليل كافٍ على حجم المتابعة والمعالجة، وعلى وقوع وارتكاب فظاعات فساد أضرّت بالمال العام لمصلحة جيوب البعض، وتركت شعوراً بأن عين الرقابة ترقب عن كثب ما قد يحصل هنا أو هناك..!
بصراحة أكثر، كل المعالجات ستبقى قاصرة في ظل اتباع منظومات العمل السائدة في مجال الرقابة حماية ودرءاً من الوقوع في براثن الفساد، فالرقابة وعملها يحتاجان استقلالية تامة، بعيداً عن أعين صاحب القرار وتدخلاته، فالعجب مثلاً أن تبقى أعمال ومعالجات معنيّي الرقابة الداخلية مثلاً تحت رحمة وقرار الإدارات في المؤسسات والشركات، فما الفائدة من الإشارة إذا تمت لبعض التجاوزات من قبل الرقابة الداخلية وبعدها يتدخل السيد المدير «المبجل» ليشطب وينسف وربما يضيف كما يهوي ويستهوي..!!