بدأت ملفات الفساد والتجاوزات تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، ما جعل المواطن يستبشر خيراً ويشعر بنوع من الثقة والاطمئنان، وقد لا نأتي بجديد عندما نقول إن محاربة الفساد تنعكس على مؤشرات النمو الاقتصادي، وجميع الاقتصادات التي تقدمت على غيرها نجحت في لجم الفساد.. ولعلنا في الوقت الحالي نراهن بأن الإصلاح وسيلة شرعية لتحقيق ما يمكن تسميته نهضة شاملة، في كل المجالات.
ما جاءت به الجهات الوصائية لجهة محاسبة الفاسدين مهما علا شأنهم يؤكد أنه لا أحد فوق القانون، ما ألغى فكرة الحصانة التي رسخت في عقلنا الاجتماعي تجاه المسؤولين، بعد أن كنا نظن أن المسؤول شخص له من المكانة ربما بحيث لا يمكن محاسبته بحكم منصبه، لذلك كانت تقع الكثير من الأخطاء وتضيع الحقوق.. الصورة الذهنية النمطية الراسخة في عقولنا بدأت تتحطم عن مسؤولي البروج العاجية، لنرى اليوم مسؤولين يُحاسَبون، وهذا ما كنا ننتظره؟
يبدو أن جميع السيناريوهات اختلفت اليوم، فنحن مقبلون على مرحلة جديدة للنهوض بالاقتصاد وإعادة الإعمار، فيجب أن نأخذ في حسباننا أن الإصلاح ومحاربة الفساد من أولويات بناء سورية المتجددة.
وصفوة الحديث مادام الاقتصاد لا يستقيم حاله إلا إذا تدخلت الدولة في توجيهه، لذلك نجد أن محاربة الفساد تحتاج أولاً وأخيراً رؤية شاملة، هذه الرؤية تبدأ بتجاوز العقلية البيروقراطية التي ترى في الإصلاح تجاوزاً لما ترغب فيه، وفتح أبواب جديدة لمفاهيم لم نعتد عليها.. والعقبة الأهم هي الفساد.
الفساد هو ضد أي عملية إصلاح، لأن الإصلاح الحقيقي يجفف منابعه، وهذا ما لا يقبله الفاسدون، لذا علينا أن ندرك أن للإصلاح أعداء سوف لن يألوا جهداً في سبيل إعاقته، فهو إذاً يستهدف فيما يستهدفه تحسين الأداء الحكومي، فهذا يعني أنه سيصطدم بالبيروقراطية المتحجرة، وبالفساد والمفسدين.. إذاً إزالة هذه العقبات من أولويات العملية الإصلاحية، والمهم ليس إكثار الحديث عن الفساد وتشكيل الهيئات واللجان، وتسطير توصيات لمكافحته، بل تمكين المؤسسات والأفراد والمجتمع لمكافحته، وتحصين الإدارة بالوقاية، والحماية، والإجراءات الفعّالة لتطويقه وحصره، وأهمية ذلك واضحة وضوح الشمس، ومادامت مكافحة الفساد هي مفتاح بناء الثقة في الحكومة وأساس النمو الاقتصادي، لذلك علينا ألا ننتظر حتى «يقع الفأس بالرأس».
hanaghanem@hotmail.com