هل مازال التوجه نحو الوظيفة العامة خياراً لـ«ستر الآخرة»؟
تشرين- دينا عبد:
يوفر العمل في القطاع العام أماناً وظيفياً لا يمكن مقارنته بالعمل لدى القطاع الخاص لأنه بمجرد أن يتوظف المرء في القطاع العام، فقد توظف مدى الحياة ومن المعروف أنه من النادر جداً أن يُفصل موظف في القطاع العام بسبب أدائه فقط ؛ بل يجب أن تكون أسباب إقالته أكبر بكثير من التقصير في الأداء.
من ناحية أخرى، على الرغم من أن التوظيف في القطاع الخاص قد يكون مجزياً أكثر من الناحية المادية فإنه لا يمكن أن ينافس الأمان الوظيفي الذي يوفره القطاع العام؛ فمن الوارد أن يجد موظفو القطاع الخاص أنفسهم عاطلين عن العمل في أي لحظة.
موظفون: الرواتب لا تكفي إلا لثلاثة أيام وليست هناك محفزات للاستمرار
لا مكافآت
تقول حنان موظفة (منذ ٢٥عاماً): إنها تنوي تقديم استقالتها والسبب أن كل شيء تغير، فلا مكافآت ولا حوافز، ولا حتى مواصلات مؤمنة؛ فبحسبة بسيطة الراتب يذهب أجرة مواصلات؛ أما إذا كنا جالسين في المنزل فلسنا مضطرين لدفع أجرة “تاكسي” أو الخروج من المنزل.
خبير التنمية الإدارية الدكتور زكوان قريط يصف التسرب الوظيفي أو ترك العمل، بظاهرة تؤرق المؤسسات، وتتجلى في ترك الموظفين عملهم طواعية، ما يكبِّد المؤسسة خسائر، سواءً على المستوى المادي نظراً لارتفاع التكاليف المباشرة لعمليات التوظيف، أو من حيث صعوبة تعويض النقص الحاصل في المهارات والخبرات؛ وفي حين يخلط البعض بين هذه المشكلة ودوران العمل، إلا أنَّ الفرق بين دوران العمل والتسرب الوظيفي يكمن في أنَّ الأول يشير إلى الحركة الإجمالية للموظفين داخل وخارج المؤسسة خلال فترة زمنية معينة (التعيين، الاستقالة، التقاعد)، في حين أنَّ التسرب يشير تحديداً إلى مغادرة الموظفين للعمل في شركة أخرى.
ولأننا نعلم جيداً بأن مشكلة التسرب الوظيفي واحدة من المشاكل التي يعاني منها القطاع العام والتي يجب علاجها في أقل وقت ممكن لدى أي مؤسسة.
الأسباب
ضعف الرواتب والتعويضات المالية، وهو برأي قريط أهم سبب ويحصل عندما يشعر الموظف أنَّ راتبه لا يتناسب مع حجم المسؤوليات التي يتحملها والمجهود الذي يبذله، أو أنَّه أقل من متوسط الرواتب في السوق، فإنَّه يميل إلى البحث عن فرص عمل أفضل توفر له عائداً مادياً أكبر.
د. قريط: ضعف الرواتب والتعويضات المالية يدفع الموظف لترك العمل
بالإضافة إلى ذلك، غياب الحوافز والتعويضات الإضافية مثل المكافآت والعلاوات، يقلل من دافع الموظفين للبذل والعطاء؛ فالرواتب والتعويضات ليست مجرد أرقام، بل تعبير عن تقدير مكان العمل لجهود الموظفين ومساهمتهم في تحقيق أهدافها.
وقد تكون بيئة عمل غير صحية (سامة)، تتسم بالعلاقات المتوترة بين الموظفين والإدارة، وانتشار السلوكيات السلبية مثل التنمر، عدم الاحترام، والضغط المستمر دون تقديم الدعم الكافي هذا الجو السلبي يسبب شعوراً بالإرهاق النفسي والجسدي للموظفين، ما يدفعهم للتفكير في ترك العمل بحثاً عن بيئة أكثر إيجابية وتوازن.
إضافة لعدم وضوح الأدوار والمسؤوليات، فعندما لا تكون الأدوار والمسؤوليات محددة بوضوح، يجد الموظفون أنفسهم في حالة من الضياع والارتباك بشأن ما هو متوقع منهم؛ وعدم الوضوح هذا قد يؤدي إلى شعور الموظفين بغياب العدالة في توزيع المهام، حيث يشعرون بأنَّهم يقومون بمهام تفوق طاقتهم أو لا تتناسب مع مستوى خبراتهم مقارنة بزملائهم؛ ما يؤدي تدريجياً إلى غياب الرضا الوظيفي وزيادة مستوى التوتر والضغط النفسي، ويدفعهم للبحث عن فرص عمل أخرى توفر لهم وضوحاً واستقراراً أكبر.
عدم وجود فرص التطور المهني، حيث يسعى الموظفون بطبيعتهم للنمو والتقدم في مسارهم المهني، سواء من خلال الترقيات، أو التدريب المستمر، أو اكتساب مهارات جديدة؛ وعندما يفتقرون إلى هذه الفرص في بيئة عملهم الحالية، يبدأ الشعور بالإحباط والتململ في التسلل إليهم، حيث يشعرون بأنَّهم محصورون في وظائفهم دون أفق واضح للتقدم. بالإضافة إلى ذلك، غياب التطور المهني يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدافعية والإنتاجية، حيث يصبح العمل روتينياً ولا يشكل تحدياً جديداً للموظف..
مقترحات
وطرح د. قريط مقترحات لحل مشكلة التسرب الوظيفي، حيث يجب إعادة النظر بقيمة الرواتب والتعويضات والحوافز وذلك لأن الرواتب والمزايا أهم الأسباب التي تعزز الرضا الوظيفي؛ لذا يجب توفير تعويضات تنافسية لجذب أفضل الكفاءات؛ كما يمكن تقديم حوافز إضافية، مثل التأمين الصحي والتقاعد والإسراع في تطبيق قانون الحوافز الجديد الذي عملت عليه وزارة التنمية الإدارية.
أيضاً؛ تطوير المسارات الوظيفية والمهنية للموظفين من خلال إعادة النظر في توفير فرص التطور المهني يمكن القيام بذلك من خلال توفير برامج تدريب وتطوير مهني مناسبة، وإعطاء الموظفين فرصاً للترقي الوظيفي.
تحسين بيئة العمل من خلال خلق جو عمل إيجابي ومحفز، وتعزيز التواصل بين الموظفين والإدارة، وتقليل الضغوط النفسية،وبناء علاقات عمل قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة. كما يجب القضاء على أي ممارسات مضرة أو سامة قد تؤثر سلباً على الموظفين، مثل التحيز أو التمييز.
وبحسب ما ذكر د. زكوان قريط فإن وزارة التنمية الإدارية قد قامت في الفترة الماضية، بمجموعة من الإصلاحات وخاصة فيما يتعلق بإعادة الهيكلية التنظيمية لمختلف القطاعات ومن ثم العمل على إصدار قانون الحوافز الذي يعتبر مهماً إذا تم تطبيقه بشكل عادل، ما سيساهم من تخفيف ظاهرة التسرب والتوزيع المناسب للكفاءات الإدارية على مختلف قطاعات مؤسسات القطاع العام.