الكتابة عن الحب

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:

يحرضونني على الكتابة عن الحب فأعتذر، فليس من الكياسة في شيء، الكتابة عن موضوع ‏كهذا، في هذه الساعة المتأخرة من العمر يجدر أن يكتب عنها من هم أقل شيخوخة، أو أكثر ‏شباباً، وسيكون الأجمل والأصدق أن يكتب عنه أولادنا وإخوتنا الأصغر ممن تفتحوا للحب ‏والحياة قبل قليل.‏
يرددون قائلين: أبداً.. هؤلاء جميعاً مازالوا عند حافة تجربتهم، وليس منطقياً أن تتوقع منهم ‏القدرة وهم في هذه المحطة من حياتهم، على تأمل تجربتهم، واكتشاف الخلاصات، أي ‏خلاصات، ثمة مسافة دائماً بين تجربة جيل وآخر يستحيل القفز فوقها بالحكم، النصائح، ‏والوصفات الجاهزة.. لا يصح أن ننظر إلى تجاربنا – نحن الكبار- باعتبارها عقارات تصلح ‏لأن يبني عليها أولادنا بيوتهم الجديدة، ويطول النقاش ويتشعب، ويروحون خلال ذلك ضدّي ‏ويحاصرونني على أن أكتب عن الحب، وأجاهد بأن أكتم عنهم، ذلك الغرور الذي يملك ‏وحده أن يحول الشعراء إلى عشاق، وإذ تعجبني المداورة أروح أعتذر عن ذاك الحصار، ‏فيصيح بي أحدهم: يا له من نفاق، حتى لكأن الأشرار استطاعوا أن يقنعونا بتأجيل عادات ‏الحب حتى يقرر مجلس الأمن أن يرفع عنا الحصار.‏

وأقول لنفسي: بل زدنا ولعاً.. صار الحب إحدى وسائلنا في التحرر من الإحساس بالجوع ‏والظمأ، ووطأة غلاء الأسعار، إنما تظلّ العين مفتوحة بحنان على تجربة ذلك الجيل الأكثر ‏فتوة، أولئك العشاق الذين لم يتنازلوا عن حقهم بأن يحملوا معهم إيمانهم بحبيباتهم وهم ‏يقاتلون العدو الصهيوني في سورية ولبنان وغزة، لأولئك تصح الكتابة، وعنهم كيف أحبوا، ‏وكيف يحبون ويقيمون في كهوف، النفق مخادعهم لمدة طويلة.‏

هؤلاء عشاق آخر الزمان، الفتيان السوريون والعراقيون والفلسطينيون واللبنانيون واليمنيون ‏الذين لا يضيرهم أن يعتمدوا أغاني كاظم الساهر وقصائد نزار قباني وصباح فخري وفهد ‏بلان في غمرة البحث عن إيقاع يستوعب نوازعهم المؤجلة وقصائدهم المموهة في السرائر.‏
‏- لعشاق هذا الزمان.. أبطال الأدوار الأكثر صعوبة في مسرحيات تبحث عن مؤلف ذكي ‏وصادق وحنون.‏
‏- لهم الدور الأكثر صدقاً والمكياج الأكثر لياقة.‏
‏- يحملون على مناكبهم بصبر أعباء عصر مجنون.‏
‏- لهم الأغنية والقصيدة والحب والرواية.. فهم عشاق الحياة في زمن نتذكر قول الشاعر بدر ‏شاكر السياب: «القصيدة المقاتلة لا يكتبها إلا العاشقون الكبار».‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار