الميدان يترقب أسبوعين حاسمين قبل 5 تشرين الثاني المقبل.. مسارات ثلاثة تحكم المشهد الإقليمي ونقطة الفصل ستضعها الانتخابات الأميركية.. الكيان يسير إلى فشل مدوٍّ
تشرين- هبا علي أحمد:
أقل ما يمكن قوله في خضم هذه التطورات السريعة والمتلاحقة أن ثلاثة مسارات مترابطة وتصب في سياق واحد، تحكم الوضع الإقليمي.. مسار الميدان في جنوب لبنان وكل التفاصيل المتعلقة به وصولاً إلى امتداده إلى ساحات إقليمية أخرى في حال طال أمد العدوان الإسرائيلي على لبنان، ومسار الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني وتداعياته، ومسار الانتخابات الأميركية «هذا إن حصلت كما يشير مراقبون»، وعند الأخيرة وبعدها تُحلّ وتُحلحل كل العقد، إما إلى التصعيد أو إلى التهدئة، وعليه من المتوقع أن نشهد تصعيداً دراماتيكياً وكبيراً من كيان الاحتلال حتى إنجاز الانتخابات، أي إننا أمام أسبوعين حاسمين في عموم المشهد، مع الانتباه إلى أن كل المسارات تنتهي في مسار واحد هو إعادة هندسة سياسية واقتصادية جديدة للمنطقة ولاسيما على مستوى القضية الفلسطينية على اعتبار أن كل المسارات بدأت من العدوان على غزة، ولا بد أن تنتهي عنده و/أو عند إيقافه، وإيقاف العدوان لن يكون إلا بفعل المقاومة والميدان مهما كانت التسويات ومهما عمد الأميركي والإسرائيلي إلى الالتفاف على معطيات الميدان، لكن التوثيق بالصورة والصوت كاف لإجهاض أي محاولات من ذلك النوع، وعندما نتحدث عن الميدان يعني إخفاق المشاريع الصهيو-أميركية وإلا ما وصلت حال المنطقة إلى ما وصلت إليه اليوم.
ثلاثة مسارات مترابطة تحكم الوضع الإقليمي تنتهي بمسار إعادة هندسة سياسية واقتصادية جديدة للمنطقة تتضح معالمها بعد الانتخابات الأميركية
نحن وهم
ما سبق ذكره ليس مغالاة في التفاؤل أو محض أمنيات، بل هو مسار تاريخي ووقائع.. صحيح أن أميركا تحتشد بكل قواها ومعها القوى الغربية خلف الكيان، مادياً ولوجستياً وبكل أنواع الدعم، وصحيح أيضاً أن أمد الحرب طال، هذا ونحن لم نتحدث بعد عن حرب حقيقية بناء على حديث مستمر عن حرب مقبلة، وصحيح أن حجم الخسائر كبير ومؤلم على مستوى محور المقاومة، لكن في المقابل بناءً على طبيعة الكيان وشكله ووجوده على أرض مغتصبة وفي جوار مُعادٍ شعبياً بصرف النظر عن المستويات السياسية وسياق التطبيع، وبناءً كذلك على الطبيعة الفكرية والمجتمعية والإيديولوجية لمستوطنيه وطبيعة جيشه وقوامه، بهذا الشكل فإن الخسائر والضربات التي تلقاها الكيان أصعب وأقوى وأشد إيلاماً مما تعرضت له المقاومة، ولاسيما أن عقيدة المقاومة مبنية على التضحيات في سياق طبيعي لتحقيق التحرير والانتصار، بينما العقيدة الصهيونية مبنية فقط على «التفوق» وإلغاء الآخر وعند أي هزة وأي خسارة تختلف المعطيات، وبناءً على هذا السياق يمكن فهم استمرار كيان الاحتلال بالعدوان على غزة ومدّه إلى لبنان مع التفكير بما بعد لبنان وصولاً إلى الساحة الإيرانية، وهذا كله محصور بأسبوعين حتى الخامس من تشرين الثاني المقبل، موعد الانتخابات الأميركية.
أيضاً وليس مغالاة في التفاؤل، ومرة أخرى من باب ما نرى ونُشاهد، صحيح أن الكيان يعتمد اقتصادياً وسياسياً و تسليحياً على الولايات المتحدة، وصحيح أيضاً أنها «قوة عظمى» ويقول البعض إنه لا يمكن هزيمتها ولديها دائماً استراتيجيات مُتجددة وبدائل، لكن هل أميركا اليوم هي ذاتها قبل سنوات داخلياً وخارجياً؟.. وهل الموقع الأميركي على الساحة الدولية متقدم إلى الحد الذي كان عليه قبل سنوات؟
يكفينا أن ننظر إلى الساحة الانتخابية الأميركية وسجالاتها لندرك أي أميركا نتحدث عنها اليوم؟ وهل الغرب هو ذاته قبل عقود؟.. بل هل العالم بمجمله وبمختلف قواه هو ما كان عليه من قبل؟
أياً يكن شكل الهزيمة، فإن أميركا هُزمت سابقاً وهي في أوج قوتها في فيتنام وأميركا اللاتينية ولاحقاً العراق بانسحابها 2011 قبل عودتها بزعم محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي، ومن ثم الانسحاب من أفغانستان واستمرار المساعي لإخراجها من المنطقة، فلماذا لا يُمكن تكرار المشاهد والصور اليوم بناءً على انقلاب الصورة العالمية، ومعها تغيّر شكل حركات التحرر والمقاومة، ليس تغيّراً في طبيعتها وتكوينها وأهدافها، بقدر ما هو إيجاد استراتيجيات مُتجددة وبدائل تتماشى والظروف والمعطيات الراهنة، مع القدرة على تغير دائم في التكتيكات المتبعة ومواكبتها، عدا عنصر المفاجأة، فكما يُثبت لنا العدو كم الإجرام القائم عليه، تُثبت لنا المقاومة وتُفاجئنا بمدى الإمكانيات التي تملكها وتوظفها في إيلام العدو، وهذا تطور طبيعي ولافت في آنٍ معاً في سياق العمل المقاوم، والمفاجآت القادمة أكثر وربما نتحدث عنها لاحقاً وفي سياقها.
يقولون إن كيان الاحتلال يريد جرّ الولايات المتحدة إلى حرب، كما يقولون إن الاثنين، أي واشنطن والكيان، يُريدان الحرب ولكن على أن تبدأها إيران ودول المنطقة ليبررا جرائمهما اللاحقة أمام المجتمع الدولي الذي يُشرعنها أساساً، لكن لماذا لا نرى الصورة معاكسة ولو قليلاً؟.. أي لماذا لم يخطر في بالنا أن محور المقاومة هو من يجر الكيان إلى حرب ولكن على طريقته وأسلوبه ومعطيات المرحلة، ومن منطلق الخداع المُشرعن في الحرب على اعتبار أن الحرب خدعة؟
قد يرى البعض في هذا ضرباً من المحال ومن خارج السياق، ولاسيما في ظل ما تعرضنا له من خسائر سابقة وربما خسائر مرتقبة ومؤلمة أيضاً، ولكن أليس كل ما جرى ويجري كان حتى الأمس القريب خارج كل السياقات والمسارات، فلماذا لا يكون كما ذكرنا سابقاً أيّاً يكن حجم الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني وتداعياته؟.. ألم تكن المبادرة والمفاجأة في حرب تشرين التحريرية في اليد السورية- المصرية وكانت ذكراها الـ51 منذ عشرة أيام؟.. ألم تحقق المقاومة اللبنانية نصراً في الـ2000 والـ2006 وبظروف موضوعية أصعب وإمكانيات أقل مما هي الحال عليه راهناً؟
صحيح أن الوضع الإقليمي ليس مواتياً بمعنى توحيد واسع لجبهات خارج جبهات المقاومة، لكن تحقيق تلك الانتصارات أساساً لم يأتِ من خارج جبهات المقاومة ومساندتها لبعضها.
في ظل غياب التفكير بشكل نهاية المعركة تقف «إسرائيل» أمام حرب لا نهاية لها ستقودها إلى فشل استراتيجي مدوٍّ
فشل مدوٍّ
ولكي لا نتهم بالمغالاة، فإنه من داخل الكيان يتحدثون عن الفشل وليس أي فشل بل فشل استراتيجي، ومن داخل الكيان يتحدثون عن قوة حزب الله، إذ أكد رئيس «أمان» السابق تاير هايمن أن «إسرائيل» في ظل غياب التفكير بشكل نهاية المعركة، تقف أمام حرب لا نهاية لها، ستقودها إلى فشل استراتيجي مدوٍّ من شأنه أن يدمّر تفوّقها النسبي، قائلاً: رغم أن حزب الله تعرّض لضربة قوية، و«حماس» تضرّرت كثيراً، فإن السيناريو الأسوأ من كل شيء لا يزال قائماً، مؤكداً أن «الإنجازات في ميدان المعركة من الممكن أن تتبدّد إذا لم تتخذ إسرائيل القرار الصحيح».
تحذيرات داخلية من أن تغرق «إسرائيل» في مستنقع الاستنزاف أمام حزب الله لكونها لا تملك القدرات لتدميره ولا تستطيع الصمود في حرب طويلة
كلام هايمن تقاطع مع تصريح للمقدّم في الاحتياط والمسؤولة الكبيرة السابقة في «الشاباك» شون رفن، التي شدّدت على أن قدرة حزب الله على التعافي سريعة جداً، حتى لو استهدفت «إسرائيل» الكثير من قدراته، وقالت: علينا جميعاً التعلّم، فمنذ عدّة أيام رأينا كيف كل أنواع الجنرالات الذين يتحدّثون عن أننا قضينا على حزب الله تقريباً، وأننا قضينا على 70% من القدرات، لكننا نرى أنّ الأمر ليس كذلك.. علينا أخذ ذلك في الاعتبار، مضيفة: حزب الله منظمة قويّة فيها تسلسل قيادة، وهو منظّم ومجهّز ومسلّح ومدرّب، ولا نتوقّع حقاً أنّ الضربات التي قمنا بها ستخضعه، حتى لو ضربنا بقوّة سلسلة القيادة والسيطرة، فلا تزال لديه القدرات.
يأتي ذلك في ظل استمرار التحذيرات الداخلية الإسرائيلية، الإعلامية والسياسية والعسكرية، من أن تغرق «إسرائيل» في مستنقع الاستنزاف أمام حزب الله، لكونها من جهةٍ لا تملك الأدوات أو القدرات لتدميره، ومن جهة ثانية لا تستطيع الصمود في حرب طويلة مع احتفاظ الحزب بقدرات قتالية فتّاكة وإدارة فاعلة للحرب.