قد يكون من العبث إطلاق تحليلات نهائية أو الحديث عن تطورات محتملة حتى لساعة واحدة مقبلة في ظل أن كل شيء متوقع وغير متوقع، وفي ظل مسار مفاجآت مفتوح على كل ما هو متفجر وما ينذر بأن المنطقة ستبقى فترة طويلة على شفا حرب كبرى، قد تقع وقد لا تقع، فكل شيء هنا يعتمد على حجم المخططات المبيتة أميركياً وإسرائيلياً، بعد أن بلغت المخططات المعلنة ذروتها باغتيال سماحة السيد حسن نصر الله.
في مجمل التحليلات التي تصدر شرقاً وغرباً، فإن ساعة الصفر لتحقيق «الشرق الأوسط الكبير» قد حانت، وإن اقتضت الحاجة الأميركية/ الإسرائيلية، ستكون هناك حرب كبرى.. أما الآن فإن المعلن إسرائيلياً (وفي الإعلام الأميركي) أن الكيان الإسرائيلي يستعد لعملية برية ضد لبنان، لم يتم تحديد موعدها ولا مداها، وإن كان من المعروف أولياً أنها ستكون خلال الأيام القليلة المقبلة، بينما مداها غير معروف، وهل ستقتصر على الجنوب فقط؟ وهل يكتفي الكيان بالجنوب وهو يرى أن الفرصة سانحة لتمتد عمليته البرية إلى عموم لبنان.. وما بعد لبنان؟ فحصيلة أسبوعين من الإرهاب الإسرائيلي «النوعي» إذا جاز لنا التعبير، تسمح للكيان بأن يرفع سقف المخططات ويُسرع ويوسع عمليات التنفيذ زماناً ومكاناً.
لكن السؤال، هل إن الكيان مطمئن كلياً لهذه الحصيلة النوعية؟ وهل باتت لدية قناعة بأن أمور المنطقة دانت له بحيث يستطيع فعل ما يريد وضد من يريد؟ وهل إن الحرب النفسية الهائلة التي يمارسها الكيان ومن خلفه أميركا، دليل قوة، أم دليل على أن الاطمئنان ليس كاملاً؟
على غير سياق التطورات منذ 7 تشرين الأول الماضي، ليست هناك حاجة للوقت لمعرفة الأجوبة، فمسار الأحداث المتسارعة منذ أسبوعين فعلياً سيكون أكثر تسارعاً في الأيام المقبلة ومن دون حدود زمنية فاصلة، هذا في حال اتسع الميدان نحو العملية البرية التي يهدد بها الكيان، ربما هناك حاجة فقط لانتظار هذه العملية، لتكون الإجابات أدق، أو ليكون بالإمكان إطلاق بعض التوقعات لما ستكون عليه المرحلة المقبلة في عموم الإقليم، وليس في لبنان وغزة فقط .
لا جدال في الإجماع على أن إقدام الكيان الإسرائيلي على جريمة بحجم اغتيال سيد المقاومة سماحة السيد نصر الله، هو نقطة تحول جذرية ستغير وجه المنطقة لسنوات مقبلة قبل أن تستقر على خريطة جغرافية سياسية جديدة.. ولا جدال في أن الكيان وحلفه الإرهابي مع الأميركي استطاع تحقيق أعلى مستوى صدمة ممكن بوصوله أقصى ذروة تصعيد ممكن قبل أن تتدحرج كرة المنطقة باتجاه أقصى فوضى متوقعة في الميدان وفي السياسة.. ولا جدال في أن لبنان وغزة وعموم المنطقة لن تكون كما نعرفها، وأي أحد في المنطقة لن يكون بعد هذه الجريمة كما قبلها.. لقد كانت هذه الجريمة أقسى حد من كي الوعي والوجدان العربي لسنوات مقبلة، أقسى حد من الفقد والحزن على من كان دائماً في الصفوف الأولى، لا يتراجع ولا يهن.
كل ذلك لا جدال فيه، لكننا نستطيع أن نجادل وبقوة أن هذه ليست النهاية كما يريد العدو الإسرائيلي تسويقها، وهدفه أن نسلم بها ونستسلم، ولن تكون المنطقة مرتعاً له أو للأميركي.. فما ستحمله الأيام المقبلة قد يكون مفاجئاً وصادماً، ومن حيث لا يحتسب الإسرائيلي والأميركي، يكفي أن ننتظر قليلاً فقط حتى تنجلي صدمة جريمة اغتيال السيد نصر الله ليتم وضع الأمور في نصابها.. وبعدها يكون لكل حادث حديث.
مها سلطان
57 المشاركات