من «طقطقة الأصابع إلى الخرزة الزرقاء»… أسر سورية أسيرة سلسلة أوهام «تتحدّى» زمن التكنولوجيا الذكية
تشرين- زهير المحمد:
يظهر الأثر السلبي على الأبناء إذا ساد الجهل، أو اليأس، أو حتى قلة الخبرة لدى الأبوين، وفقاً لما أكده لنا الخبير الأسري والمرشد الاجتماعي، مالك رفاعي، إذ يجب على الأهل بصورة دائمة مراعاة أحدث القواعد والأصول التربوية، وتلافي التصرفات الخاطئة، وعدم التمسك بها لمجرد أننا نشأنا عليها، أو أنها راسخة في أعراف المجتمع والوعي، إلّا أن ذلك سيؤثر في كينونة الأبناء وشخصيتهم مستقبلاً، وأن الأهل يلجؤون لتخويف الأبناء من أشياء وهمية عندما لا يستجيبون لإرشاداتهم وأوامرهم فقط، لأنهم يفتقرون إلى أساليب الإقناع، والتأثير الإيجابي تجاه أبنائهم، كقيام الأهل بتخويف طفلهم من الجن، أو البعبع، أو الغول، أو شخصيات خرافية مختلقة لمنعه من مغادرة المنزل مساء، أو لإجباره على الذهاب إلى النوم مبكراً، أو تناول طعامه.
صحيح أنّ الخوف غريزة إنسانية خلقها الله في الإنسان، ولكن يجب أن توظف بشكل صحيح في تفادي الأمور التي قد تهدد سلامة الإنسان ووجوده، إلّا أن زرع الخوف في الطفل بشكل غير مبرر سيخلق لديه حالة مرضية (فوبيا)، ويصبح الطفل فريسة لمخاوف وهمية غامضة، ويفقد ثقته بنفسه، ويتعزز شعوره بالضعف والنقص.
عدم اندماج
ويضيف رفاعي: سيميل الطفل إلى الانسحاب، والعزلة الاجتماعية، وتوقع أصعب العواقب، وعدم القدرة على التفكير بالمستقبل.
خبير أسري: الاعتماد على الخرافة في التربية من الأخطاء التربوية المتناقلة عبر الأجيال
لافتاً إلى أن الاعتماد على الخرافة في التربية يعد من الأخطاء التربوية المتناقلة عبر الأجيال، والحل الأمثل لتلافي هذه الوراثة التربوية يكمن في إشاعة الفكر العقلاني السليم من خلال تدريب الأهل، أو حتى الشبان المقبلين على الزواج، على الأساليب التربوية الحديثة لتوجيه أفكار أطفالهم بصورة صحيحة من دون الحاجة لجعلهم أسرى الخوف.
فوبيا خفية
إننا نعاني فوبيا متعلقة بتفسير كل شيء بعيداً عن علاقات السببية والعلوم، وأبرزها (صيبة العين)، وهي خرافة مستندة للموروث، صحيح أن علينا الحذر واليقظة من سلوك الشخص الغيور الذي قد يؤذينا عند نجاحنا في العمل، أو في علاقاتنا الاجتماعية بأفعال ضارة قد تكون كارثية، لكن هذا لا يعني أنه يؤذينا بعيونه الخارقة ونظراته المؤذية التي تصدر الأشعة (بحسب البعض)، الذين حوّلوا ذلك الأمر إلى أشكال مغايرة وظواهر قد تدمر المجتمع والصداقات، وتخلق فرداً مفعماً بالمخاوف، فيخاف عند شرائه أي شيء، وعند تلف هذا الشيء لا يبحث في الأسباب، بل يردد بكل ثقة كلمة (صابوه بالعين) مهما كانت أشياؤه تافهة، أو ينظر بعض الأشخاص لأنفسهم على أنهم محسودون من باب جنون العظمة، ويتوهمون بأن عليهم اعتزال الجميع رغم عدم امتلاكهم أي ميزات، وفقاً لما أكده الطالب محمد محمد، كلية الآداب، وقد علل سبب ذلك بالجهل في تفسير الظواهر سابقاً، وعدم وجود التطور الحالي علمياً وطبياً، وانتقال هذه القيم الخاطئة الخرافية إلينا عبر التربية الخاطئة منذ الصغر، أو عبر أشخاص يشوهون القيم للأفراد للسيطرة عليهم من خلال ترهيبهم، أو من خلال ما يسمى بحكايا الجدات وظروفهم القاسية، حيث كان الأطفال يموتون بالعشرات بسبب نقص العناية الطبية، وعدم وجود اللقاحات الدورية التي توفرها الجهات المعنية الآن ومجاناً، وكان التعليل الأكثر شيوعاً لدى الأهل هو (صيبة العين، أو الحسد).
معتقدات مغايرة للمنطق
وأردف: نلاحظ حتى الآن من يتحاشى نشر صورة لطفله على برامج التواصل الاجتماعي خوفاً من (العين)، فقد تعلّم منذ الصغر خرافة تقول إنّ “الطفل الصغير معرّض للحسد أكثر من الكبير”، وسيتعرّض للخطر والمرض عند مشاهدته من قبل البعض، وحتى أقرب الأقارب، أو الجيران، أو الأصدقاء، في حين نلاحظ أن الأطفال في دول أخرى يحتلون منصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تظهر تميزهم وذكاءهم، من دون وجود أي مخاوف لدى أهلهم، ونلاحظ صفحات التواصل الاجتماعي لدينا تعج بما يتجاوز المنطق والعلم، من دون فائدة.
وتابع: لقد لفت نظري أنّ أحد المواقع الإلكترونية الصينية نشر خبراً لافتتاح مشروع مترو أنفاق يخترق البحر، وفي التعليقات على الخبر تجد من يقول إنّ هؤلاء سيلقون كائنات (خيالية) تؤذيهم عند انتهاء الحفر!!، بدلاً من الاعتراف بفضل التكنولوجيا على البشرية، ومناقشة كيفية استخدامها، وتخيّل الميزانيات التي تم إنفاقها على المشروع، وكيفية وضع خطط للوصول لمثيلها، كما تجد أشخاصاً يسقطون كل فشلهم على ظواهر خفية عند فشلهم، أو طلاقهم، أو رسوبهم الدراسي، أو خسارة تجارتهم، أو تأخرهم في الزواج، لأن ذلك هو التعليل الأسهل والأنسب لما حدث معهم، ويجنبهم مناقشة الأخطاء ضمن عقولهم ونفوسهم، أو حتى الإجراءات المتخذة من قبلهم، وسيؤدي اعتقادهم الخاطىء بهذه القوى الخفية المغروسة في تربيتهم منذ الصغر لتكرار الفشل مجدداً، وتكرار التعليل نفسه من الشخص الفاشل.
صعوبة تطبيق القانون
من الصعب إدخال القانون بشكل مباشر لمكافحة مظاهر الوهم والخرافات التي تنتشر في كل مكان من هذا العالم، بما فيه ما يسمى (كوكب اليابان).. لكن المصيبة في حجم تأثير الخرافات على مستقبل الأفراد وقابليتهم للعمل والإبداع، فالفرق واضح والتأثير السلبي واضح، والقانون يمكنه مكافحة الشخص المشعوذ الذي يضبط وهو يقوم بطقوس معينة أمام الناس لابتزازهم بحجج واهية.. وللأسف هناك أفكار تبث في الإعلام والواقع الافتراضي والمجتمع ومن الصعب وجود نصوص قانونية تكافحها، وفقاً للمحامي علي بركات، بل على العكس ربما يتدخل القانون لحماية تلك الأفكار لأنها قد تشكل موروثاً لجماعة ما بغض النظر عن قيمها المضافة أو السلبية.
المحامي بركات: من الممكن أن تشلَّ مستقبل فرد أو عائلة
جمعيات مساعدة
ولفت المحامي علي بركات إلى أنّ بعض البلدان شكلت جمعيات تعنى بمكافحة (العلوم الزائفة)، كما في روسيا، ولكنها مع ذلك لم ترقَ لإيجاد نص قانوني يكافح تلك (العلوم) ونجد في كل مكان منجمين وحاسبين رقميين ومن يدّعي تأثير النجوم على البشر ومن يحسب لهم مستقبلهم، بل يجني الشهرة والمال وملايين المشاهدات على وسائل التواصل الاجتماعي، والأمر معقد جداً لاجتثاث هذه الظواهر، لكن يعود بركات للقول: إنّ تأثيرها في مجتمعنا أكثر كارثية، ومن الممكن أن تشل مستقبل فرد أو عائلة.