عوامل عديدة أدت إلى غياب الألفة الأسرية.. وقيمة الترابط الأسري باتت مفتقدة في مجتمعنا

تشرين- نور حمادة: 

لم يعد الترابط الأسري له مكان في خضم انشغالاتنا اليومية، وإيقاع الحياة المتسارع والضغوط الحياتية، وتقلبات الأمور تنسينا دائماً أهميته، وتختزله في مفاهيم سلبية أكثر منها إيجابية، وهو ما جعل قيمته مفقودة في مجتمعنا، بعد أن كان مضرب المثل في تعزيز هذه القيمة المهمة، وبناء علاقات أسرية على مجموعة من الأسس السليمة، وغرس القيم الأخلاقية التي تعدّ أحد أهم المرجعيات التي تضمن للأسرة الراحة النفسية والصحية.

وبالرغم من إيجابيات الترابط الأسري والذي ينعكس على الأسرة والمجتمع بأكمله، إلّا أن الأغلبية أكّدوا وجود عوامل سيطرت على مفهوم (الألفة بين الأسرة) وجعلته يتلاشى مع مرور الوقت.

عصر التكنولوجيا والفيسبوك

أثرت التكنولوجيا في عاداتنا وعلاقاتنا الأسرية، لارتباطنا الوثيق بتطبيقاتها وبشاشات هواتفنا المحمولة، ومبالغة البعض باستخدامها أثّرت سلباً على معنى هذه الروابط العميقة، وأضحى التباعد بين أفراد الأسرة هو السائد، وأظهرت الدراسات الحديثة أن التعلق بالأجهزة الذكية يؤثر على قدرة الشباب، في التعبير عن مشاعرهم، وحجبها عنهم تظهر تحسناً في العلاقات مع الآخرين، ويرى مؤيد أن اجتماع العائلة لم تعد له نكهته المميزة كما السابق، لأن العقل والذهن مرتبطان بما تحمله هذه الأجهزة من تقنيات، وخاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت الألفة والتواصل الأسري يتضاءلان، وتركا فراغاً كبيراً بين أفراده.

التكنولوجيا أثرت في عاداتنا وعلاقاتنا الأسرية لارتباطنا بتطبيقاتها

ويتابع: علينا ألّا نقاطع التكنولوجيا، ولكن في الوقت نفسه ألّا نجعلها تؤثر في نسيج الأسرة، فيجب تقنين أوقات استخدامها تبعاً لحاجتنا لها، ولا نجعلها تستحوذ على وقتنا وتبعدنا عمن نحب.

الهجرة وسلبياتها

باتت ظاهرة السفر والغربة التي يلجأ إليها الكثير من الشباب لأسباب عديدة، تشكل معاناة حقيقية في مجتمعنا، تتزايد عاماً بعد عام، وبالتالي ستنعكس آثارها سلباً على الجو الأسري ولمّة العائلة، وخاصة في الأعياد والمناسبات، وغيرها من التجمعات العائلية، التي تترك أثراً في نفسيّة الشخص المغترب، تاركاً وراءه العديد من الذكريات واللحظات الجميلة، التي كانت تجمعه بأصدقائه وأقاربه، لينتقل إلى بيئة جديدة، محاولاً التكيّف معها، والتأقلم مع طباعها وعاداتها المختلفة، وتكوين صداقات وعلاقات أخرى تخفف عنه سلبيات الغربة، وتتابع هدى: مهما حاولنا بواسطة التكنولوجيا الحديثة تخفيف أعباء البعد عن الوطن والأهل، من خلال برامج محادثات الفيديو والشات، يبقى الإنسان بحنين دائم لأهله ورؤيتهم، والتواجد معهم أثناء مشكلاتهم وأوقات احتياجهم له، فللغربة ضريبة كبيرة على الترابط الأسري والمجتمع بشكل عام.

متطلبات الحياة

لاشك في أن الحياة صعبة جداً، لدرجة أننا لا ندرك عدد المرات، التي نمر فيها بشكل متتابع في حياتنا اليومية بلحظات ضيق وتذمّر، من مدى صعوبة متطلباتها، التي تجعلنا نقف صامتين لا نستطيع التعبير من هول ما تصدمنا به، ومن طبيعة الإنسان أنه يطمح دائماً للأفضل، لتحقيق مستوى معيشي لائق به وبأسرته، خاصة في الظروف المعيشية الصعبة، التي نعيشها لذلك أصبح لاهثاً وراء العمل، وترك بعض الثغرات المهمة في حياته الشخصية، من دون أن يعيرها أي اهتمام. وبرأي وليد: إن الظروف المادية، وتأمين قوت يومنا أصبح يستحوذ على تفكيرنا، ولم يعد هناك وقت للتفكير بأمور أخرى، ووقتنا مكرّس للعمل الدؤوب، وساعات العمل الطويلة تغلبت على موضوع الترابط الأسري، لأنني لا أرى أسرتي سوى ساعة في اليوم، والوقت لا يسمح لأن تكون هناك جلسة عائلية كما قبل، ولمّة العائلة بدأت تفقد بريقها لأن هناك أموراً أهم طغت عليها.

الخلافات الأسرية

تعد الخلافات الأسرية أمراً طبيعياً لا يخلو منها أي منزل، إلّا أن هناك نوعاً من الخلافات تهدد كيان الأسرة برمتها، والتي تزيد من حدّة التوتر بين أفرادها، نتيجة لكثرة الاختلافات والشجارات، وخاصة بين الزوجين، ما ينتج عنه فقدان الأبناء لهيبة الأسرة واحترامها، وهو ما حدث مع علاء الذي عانى من الضياع والاضطراب النفسي، نتيجة انفصال والديه من دون أن يفكرا بعقلانية بمصيره وحماية الأسرة من التفكك.

اختصاصية نفسية: الترابط الأسري يترك آثاراً إيجابية على الفرد والمجتمع

ويتابع: لم أشعر يوماً بلذة الترابط الأسري والدفء والحميمية داخل الأسرة، على اعتبار والديّ كانا على خلاف دائم، علماً أن من أهم عوامل الترابط، هو التفاهم بين الأب والأم، وأن يتنازل كل طرف للآخر، ولو قليلاً للحفاظ على تماسك الأسرة، وعلى نفسية الأبناء التي ستتأثر بذلك مستقبلاً.

أهمية الترابط الأسري في علم النفس

توضح الاختصاصية النفسية التربوية سلوى نعيم، أن الترابط الأسري من الأشياء المهمة، التي تترك آثاراً إيجابية جمّة على الفرد والمجتمع، وأن الأسر المفككة التي ينعدم فيها التكاتف والألفة يلغى فيها مسمى (الأسرة)، ونلاحظ في وقتنا الحاضر تزايد نسبة هذه الآفة بين الناس، وتشتت العلاقات الاجتماعية والأسرية بشكل كبير، لعدة أسباب من دون أن يلقى أي مقاومة أو اهتمام لمداواة هذا المرض الذي يصيب الأسرة بأكملها.

وتتابع نعيم: على الزوجين عند تأسيس أسرة أن يدركا المسؤولية التي سيتحملانها بعد ذلك، وأن الحياة يجب أن تبنى على أسس صحيحة ومنظمة وبناء لغة الحوار والتفاهم والاحترام فيما بينهم، والابتعاد عن الأساليب الخاطئة، كالاستبداد والتحكم الذي يسحق الاستقلالية والشعور بالكرامة الإنسانية.

مؤكدةً: عند اتخاذ قرار على الصعيدين التربوي والأخلاقي، أن يكون بأسلوب محترم، لأنك إذا لم تحترم شخصاً لا يمكنك أن تقوم بأي عمل تجاهه، وأن النفوذ الأعمى للأهل، وتجاهل اهتمامات الطفل، وحرمانه من الكلام عند معالجة بعض المسائل، كفيل بفشل بناء ثقته بنفسه، إضافة إلى المشاكل العائلية التي تضعف بناء علاقة سليمة بين الآباء والأبناء.

مبينةً أن هناك قواعد تربوية للحفاظ على بيئة سليمة داخل الأسرة، وهي الوقوف بحزم أمام تجاوزات الأبناء لحدودهم، خوفاً من تماديهم، والحد من كلمة (لا) وقولها عند الضرورة، على أن يتبعها موقف حازم لا يسمح بالعودة عنها.

والانتباه لأهمية التوفيق بين الأسلوب السلطوي، والأسلوب التحرري المهتم بالمشاعر، وبهذا يسجل الآباء حضوراً في حياة أبنائهم بحيث يكون لهم حرية التصرف وتحمل المسؤولية واحترام الوسط المحيط بهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار