مواقع التواصل الاجتماعي: مقاهٍ للمجانين أم غزوٌ للحمقى؟
دمشق- حنان علي:
“ما برحت وسائل التواصل الاجتماعي تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن اعتادوا الثرثرة في المقاهي، من دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، كان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل مَنْ يحملون جائزة نوبل؛ إنه غزو الحمقى”.
لعلّ إمبرتو ايكو الروائي والفيلسوف الإيطالي وضع يده على الجرح حين أدرك مبكراً أن مساحة التواصل والتبادل الاجتماعي قد تحولت إلى مشهدٍ مزدحمٍ بالأخبار التافهة والنقاشات الساخرة والتعليقات العنيفة في مقاهٍ ضخمة تجمع الناس ليتبادلوا الأخبار بشتى أنواعها من دون رقابة أو قيود. فهل أضحت مواقع التواصل الاجتماعي حائطاً لأقلام المجانين؟ وهل تمثل هذه الظاهرة تهديداً للمجتمع والثقافة العامة، وما الحلول الممكنة لتحسين هذا الوضع؟
ساعات طويلة نقضيها يومياً بين مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الأصدقاء والعائلة، أو لمتابعة آخر الأحداث والأخبار، أو لمشاركة أفكارهم وآرائهم. ومن الجدير بالذكر أن أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ويمكن استغلالها بشكل إيجابي في حال تم استخدامها بحكمة ووعي، وبتوازن مع الحياة الواقعية والتواصل الحقيقي.
تهديد عام
نقص الرقابة وعدم تنظيم المحتوى، أحد العوامل التي أدت إلى هذا التحول، ما أدى لانتشار معلومات غير موثقة وانقلاب التعليقات إلى حروب كلامية بين المستخدمين، كما أثّر التعرض المستمر للمحتوى السلبي على الصحة النفسية للكثير من الأفراد. لا يفوتنا بالطبع المحتويات الفاضحة أو السخيفة أو الأوهام التي تقتل الوقت وتخدر التفكير خاصة لدى الأعمار الشابة. فلا أسهل من أن يخرج أحدنا ويتكلم أمام عدسة محمولة عن حلول نفسية بجرأة لا يملكها المعالج النفسي! أو تطلُّ علينا فاتنة تتحفنا بأساليب ذكية لـ “جلب الحبيب” أو الانتقام منه! أو بعض المشاهد التمثيلية لحكايات مفبركة عن مجتمع معين، فتكون الزوجة الرابعة في أحدها، ابنة عزباء في أخرى، مع الاحتفاظ بالحصة عينها من الأكشن والمبالغة والدموع.
لا ريب في أنّ العالم الافتراضي جعل كلّ شيء وكلّ شخصٍ تقريباً قابلاً للعرض، بثمنٍ أو بالمجان، الأفكار، الفنّ، الكتب، القَناعات، المشاعر كذلك الإنسانُ كلُّه، بكلَّ جوارحه وإمكاناته، أو حتى تفاهاته وعقده، وأفكاره العنصرية أو العدوانية بطريقة تثير الجدل والانقسام.
هل من حلول؟
ما برحت المسؤولية واقعة على عاتق المستخدمين والمنصات على حدٍّ سواء للعمل معاً من أجل خلق بيئة آمنة وصحية للحوار والتفاعل. في المقاهي يمكن إسكات الثرثارين فوراً، فكيف تكمّ الأفواه المتشدقة بالسمّ، أو تلك التي تقدم محتويات سطحية تعوّم التفاهة في مجتمع بأمس الحاجة لدحرها؟ الأمر منوط أولاً بشركات التواصل الاجتماعي وقدرتها على تشديد الرقابة على المحتوى المنشور على منصتها، إضافة إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق الحسابات التي تنشر محتوى ضاراً أو مضللاً.
من ناحية ثانية لا بدّ من توفير تقارير وموارد تعليمية للمستخدمين حول كيفية التمييز بين المعلومات الكاذبة والترويجية هذا عدا عن تشجيع المشاركات الإيجابية وتعزيز الحوار الهادف بين المستخدمين في محاولة لتحسين البيئة العامة للمنصات.