ملف «تشرين».. الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط المدعوم أميركياً هل هو مشروع سياسي.. وهل الهدف منه «إسرائيل» حصراً؟
ترجمة وتحرير – لمى سليمان:
تساءلت صحيفة «ديلي نيوز» هل الممر الذي تم إطلاقه خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في 9 أيلول الماضي، وما سمي «الممر الهندي».. هل هو اقتصادي أم سياسي؟
وتقول الصحيفة: إن المشروع يهدف إلى ربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا عبر السكك الحديدية والممرات البحرية، لتعزيز التكامل التجاري والاقتصادي، وقد أكد الرئيس الأميركي جو بايدن خلال القمة وبغياب نظيريه الصيني والروسي عن القمة، حرص أميركا على استغلال التجمع الضخم لأقوى الاقتصادات في العالم في مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية.
وعلى ما يبدو أن مشروع الممر الاقتصادي خطوة ستنظر إليها واشنطن بإيجابية بسبب تقاربها المتزايد مع نيودلهي، بالرغم من أن تنفيذ المشروع يحتاج إلى أموال كبيرة، لكن في النهاية يمكن للمشروع أن «يغير قواعد اللعبة» كما ترى الصحيفة، لكن النيات الخفية من المشروع غير المعلنة من الإدارة الأميركية هي بأن الممر الاقتصادي فرصة لمنافسة الصين ومنح منطقة الخليج مساحة أكبر للخروج من الدائرة الصينية المتمثلة بمبادرة «الحزام والطريق».
ولدى الولايات المتحدة أيضاً سبب مهم آخر برأي الصحيفة وهو تحويل الهند إلى بديل للصين في مجال الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، إذ تسعى واشنطن إلى تقليل اعتماد العالم على المنتجات الصينية، وهنا يؤكد بايدن دعمه لبناء سلاسل توريد عالمية مرنة لأشباه الموصلات، مشيراً إلى استثمار ما يقرب من 700 مليون دولار في توسيع البحث والتطوير في الهند، كما أن الهند بدورها تطمح أن تصبح أحد الكيانات الاقتصادية العملاقة وتنافس الصين، لكنها تحتاج إلى 15 أو 20 سنة أخرى لتصبح قوة عالمية مثلها، لأن ناتجها المحلي أصغر من ناتج الصين، وتحتاج إلى رأسمال لا يستطيع القطاع الخاص الأميركي توفيره بطبيعته، وذلك لأن الشركات الأميركية تريد الاستثمار، لكنها لا تريد تقديم المساعدة مثل الشركات الصينية، لذلك يجب على واشنطن إيجاد طرق أخرى للتنافس مع بكين.
وعلى الرغم من النشاط الدبلوماسي بين الهند وأميركا، إلا أنهما مازالا بعيدين عن إقامة تحالف، ومازالت الهند تستورد أكثر من نصف أسلحتها من روسيا، فهي، إلى جانب الصين، مشترٍ رئيسي للنفط الروسي الذي يخضع للعقوبات، وكثيراً ما تصوت ضد واشنطن في الأمم المتحدة، كما تستمر الهند في رفض إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، وهذا يؤكد أولويات الهند في الحفاظ على قدرتها على الوصول إلى الأسلحة والنفط وتجنب دفع روسيا إلى المزيد من التقارب مع الصين.
وتنقل الصحيفة آراء وكالات الأنباء التي تؤكد أن المشروع المستقبلي- أي الممر الهندي- سيكون عبارة عن ممر للسكك الحديدية والشحن، وهو جزء من الشراكة للاستثمار العالمي في البنية التحتية، ويهدف المشروع إلى زيادة التجارة بين الدول المعنية، بما في ذلك منتجات الطاقة، إضافة إلى ذلك سيشمل كابل نقل الكهرباء، وخط أنابيب الهيدروجين، وكابل البيانات عالي السرعة، وحسب المصادر نفسها، فإن خط التجارة البحرية سيبدأ من ميناء مومباي الهندي إلى منطقة جبل علي في دبي بدولة الإمارات، ثم سيتم إنشاء خط سكة حديد من دبي مروراً بالرياض ومن هناك إلى الأردن ثم إلى ميناء حيفا، وبعدها تستأنف الرحلة البحرية إلى موانئ اليونان وإيطاليا وفرنسا، ومن تلك الموانئ إلى كل الدول الأوروبية عبر السكك الحديدية هناك.
وبالرغم مما سبق فإن المشروع، الذي لا يزال مجرد نظرية، يعمل على توسيع ارتباط الهند الاستراتيجي بشبه الجزيرة العربية وأوروبا، بينما يرى البعض أنه يتعارض مع مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.
من ناحية أخرى، يرى العديد من الاقتصاديين أن الجدوى الاستثمارية لهذا المشروع لا تبدو «واعدة»، مؤكدين أنه إذا أبحرت ناقلة حاويات واحدة يومياً من مومباي إلى دبي وتحمل 20 ألف حاوية، فسوف تحتاج إلى ما يقرب من 100 قطار ويحتوي كل قطار على 20 عربة، تحمل كل منها 10 حاويات، إضافة إلى ذلك يجب أن يكون هناك ربع ساعة على الأقل بين كل قطار حتى لا تتكدس الحاويات في الميناء.
وهذا المعدل التدفقي يعد «هزيلاً».. بعد ذلك، وبعد رحلة طويلة عبر الإمارات والسعودية والأردن، تصل القطارات أخيراً إلى ميناء حيفا وهناك يتم تفريغ وإعادة تحميل القطارات الـ100 على متن سفينة، ويتكرر السيناريو نفسه في إيطاليا أو فرنسا أو اليونان. وفي هذه الحالة فإن متوسط التكلفة الاقتصادية سيتجاوز ثلاثة أضعاف التكلفة على الأقل، إضافة إلى عامل الوقت وفارق الإجراءات اللوجستية بين كل دولة وأخرى، وتأمين الحاويات.. ومقارنةً مع قناة السويس فهي أسرع وأقل تكلفة وأكثر أماناً.
وتؤكد الصحيفة أن مشروع الممر الاقتصادي الهندي هو محاولة لإيجاد بديل عن الصين، ممثلاً بالهند، التي لديها عمالة رخيصة، وقد بدأت العديد من الشركات الأميركية الكبرى بالفعل بنقل أجزاء من عملياتها إلى الهند، بما في ذلك مصانع أشباه الموصلات، التي تشكل ضرورة أساسية لصناعة التكنولوجيا.. لكن الجزء الأكثر إثارة في المشروع هو المنطقة الممتدة من الرياض جنوباً إلى ميناء حيفا شمالاً، ما يوحي بأن المشروع ذو طابع سياسي أكثر منه اقتصادياً.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. حرب الطاقة ومساراتها.. سباق عكس عقارب الساعة أعاد الجميع إلى غزة