ملف «تشرين».. لصوص يستولون ولصوص يسرقون… بالأرقام والوقائع “تشرين” تكشف تفاصيل أبشع “حرب تجويع” تشنها أميركا و ميليشياتها على السوريين
تشرين – خاص:
بتوقيت “صهيوأميركي” مدروس، زار دمشق وزير خارجية دولة عربية، بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على بدء المؤامرة الكونية على سورية، أي في حزيران 2011، ناقلاً للرئيس بشار الأسد رسالة من القيادة الأميركية تتضمن العديد من “المطالب”. أولها: غض الطرف عن الاحتلال الأميركي للعراق. وثانيها: الابتعاد عن محور المقاومة، وثالثة الأثافي: تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بشروطه. في مقابل وقف ما يجري في سورية، ويُعدّ لها.
ومن دون تردد قال السيد الرئيس لذلك الوزير عن الاحتلال الأميركي للعراق: من يقبل بالاحتلال يوماً سيقبل به دوماً، ونحن السوريين لا نستطيع التعايش مع الاحتلال.
ولم يكد يُبلّغ ذلك الوزير الأميركيين برد الرئيس الأسد على رسالتهم، التي أثبتت بما لا يدع أي مجال للشك، أن ما يجري في سورية هو مؤامرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، حتى بدأ الأميركيون وأتباعهم بالتصعيد ضد الشعب السوري. من العسكرة، إلى التدمير الممنهج، إلى القتل والتهجير، إلى الإرهاب بأبشع صوره، إلى استخدام الأسلحة الكيميائية… واستمر التصعيد، مرحلة إثر مرحلة، إلى أن وصل إلى حرب “التجويع والتعطيش” من خلال سرقة ونهب خيرات السوريين وثرواتهم، وخاصة النفط والقمح.
حقول النفط في منطقة الفرات..
ولتحقيق هذا الهدف الدنيء شكلت واشنطن في أيلول 2014، ما يسمى “التحالف الدولي”. واختارت “بعناية فائقة” المكان الملائم لتنفيذ المخطط الذي يُحاك ضد الشعب السوري. ألا وهو منطقتا الجزيرة والفرات، لغناهما بالنفط والغاز والمنتجات الزراعية وعلى رأسها القمح.
ومنذ ذلك التاريخ وعيون الولايات المتحدة الأميركية على “نفط سورية وقمحها”، لا على تنظيم «داعش» الإرهابي الذي ادّعت زوراً وبهتاناً أنها موجودة في الأراضي السورية لمحاربته، حيث اختارت القيادة الأميركية هذا الشعار لكونه يحمل أبعاداً وطنية وإنسانية تدغدغ مشاعر العالم، للتغطية على الهدف الأساس وهو الاستحواذ على ثروات السوريين، وإلّا كيف يمكن تفسير اختيارها لمنطقتي الجزيرة والفرات دون غيرهما من المناطق السورية؟. ولماذا تسللت قوات الاحتلال الأميركي إلى هذه المنطقة كاللصوص من دون موافقة الحكومة السورية؟.
البروفيسور دلخوش حسين، دكتور الاقتصاد المتخصص في الاقتصاد السياسي وسياسات الاقتصاد العالمي، وهو سوري الأصل من أبناء محافظة الحسكة. ومعنى اسمه دلخوش: القلب الطيب، باللغة الكردية الجميلة. يبيّن لنا بالأرقام مدى غنى منطقتي الجزيرة والفرات بالنفط. قائلاً: لم يكن اختيار أميركا لمنطقتي الجزيرة والفرات اعتباطياً، لعلمها علم اليقين بغناها بالنفط والغاز والقمح.
د.حسين: أميركا وق*س*د تسرقان 66 ألف برميل نفط يومياً
فهي تعرف جيداً أن إنتاج سورية من النفط والغاز يتركز في ثلاث مناطق – يتابع د.حسين – الأولى تقع في منطقة الفرات، أي في محافظة دير الزور التي تضم أكبر الحقول النفطية، كحقل العمر الذي يقع في قرية الشحيل شمال شرق دير الزور، ويبلغ إنتاجه 80 ألف برميل يومياً، وحقل التنك الذي يبلغ إنتاجه 40 ألف برميل يومياً، إضافة إلى حقل كونيكو للغاز شرق الفرات الذي يقع في ضاحية خشام التي تبعد 12 كم شرق مدينة دير الزور، والذي يعد من أكبر الحقول المنتجة للغاز الطبيعي في سورية، إذ يصل إنتاجه إلى قرابة 6 ملايين م3 من الغاز، إضافة إلى حقل التيّم، وحقل الورد في ريف مدينة البوكمال القريبة من الحدود مع العراق، والذي وصلت طاقته الإنتاجية عام 2018 إلى 5 آلاف برميل يومياً، في حين بلغت الطاقة الإنتاجية لحقل التيّم 2500 برميل يومياً في عام 2019، وذلك بعد إعادة تأهيل هذين الحقلين «التيّم والورد» بعد أن دمرتهما الطائرات الأميركية عامي 2015 و 2016.
وقبل الاحتلال الأميركي لحقول نفط دير الزور، المصدر الأكبر لهذه الخامة في سورية، كانت ثلاث شركات وطنية تدير حقول دير الزور، أكبرها شركة “الفرات” الحكومية التي كانت تستثمر كلاً من (حقل العمر- حقل التنك – حقل الورد – حقل التيم – حقل العزبة).
.. وفي منطقة الجزيرة
أما المنطقتان الثانية والثالثة فتقعان حسب د.حسين في محافظة الحسكة من منطقة الجزيرة، التي تضم محافظتي الحسكة والرقة وشمال الفرات، فقد سميت هذه المنطقة بالجزيرة لوقوعها بين نهري دجلة والفرات. حيث تنتشر حقول النفط والغاز في منطقتين أساسيتين: الأولى شمال الحسكة، وأبرز حقولها السويدية والرميلان، ويبلغ إنتاجُها في حال العمل بالطاقة الإنتاجية التي كانت قبل المؤامرة الكونية على سورية نحو 200 ألف برميل يومياً، وتضم هذه الحقول أكثر من 1200 بئر نفط و 25 بئراً للغاز.
في حين تقع المنطقة الثانية في جنوب الحسكة، في الهول والجبسة والشدادي، وهي تنتج نحو 30 ألف برميل يومياً.
ويبين د.حسين أن الطاقة الإنتاجية للنفط في هذه المناطق تبلغ نحو 350 ألف برميل يومياً، وهي تُشكل 90 % من إنتاج النفط في سورية قبل بدء المؤامرة عليها، معتبراً محافظة الحسكة، من أهم المحافظات الغنية بالآبار النفطية، كما تضم أيضاً منشآت تعالج النفط والغاز، عبر مديريتين للنفط هما مديرية حقول الحسكة، وموقعها في منطقة الرميلان شمال شرق المحافظة، ومديرية حقول الجبسة وموقعها في منطقة الشدادي جنوب المحافظة، تتولى هاتان المديريتان كل الأعمال من حفر الآبار، إلى معالجة النفط المُنتَج وتسليمه. كما يتبع لكل منهما معمل يقوم بإنتاج الغاز المنزلي وكل أنواعه الصناعية.
ويوضح د.حسين أن احتياطي النفط السوري يبلغ حسب أحدث الأرقام المتوافرة ملياري برميل، يتركز معظمها في شرق سورية في الأراضي القريبة من العراق، حيث يمثل الاحتياطي السوري 0.14% من الاحتياطي العالمي.
لافتاً إلى أن إنتاج النفط في سورية يبلغ حالياً نحو «14.5» مليون برميل كل 6 أشهر، بمتوسط إنتاج يومي «80.3» ألف برميل، يتم تسليم «14.2» ألف برميل منها يومياً إلى المصافي، وتسرق أميركا وق*س*د ما يصل إلى «66» ألف برميل يومياً، من الحقول المحتلة في المنطقتين الشرقية والشمالية الشرقية.
من هنا بدأت الجريمة
ويؤكد د.حسين أن سورية كانت تنتج في عام 2008 نحو 406 آلاف برميل يومياً، حسب الاستعراض الإحصائي للطاقة العالمية، الذي أعدّته شركة «بريتيش بتروليوم»، وفي عام 2011 تراجع إنتاج سورية النفطي إلى 353 ألف برميل يومياً، ليتعرض بعدها للانهيار مع توالي سنوات المؤامرة الكونية على سورية بدءاً من عام 2011. إذ قدرت ورقة عمل صدرت عن صندوق النقد الدولي أن إنتاج النفط السوري تراجع إلى 40 ألف برميل فقط، ومن ثم إلى 28 ألف برميل يومياً فقط.
كما قدّر موقع «أويل برايسز» البريطاني إجمالي الاحتياطي السوري من النفط بنحو 2،5 مليارات برميل، ما لا يقلّ عن 80% منها موجودة في محافظتَي الحسكة ودير الزور، بؤرة النفط السوري.
ويتابع: في عام 2017، بدأت ما تسمى «الإدارة الذاتية» وذراعها العسكرية مي*لي*شيا «ق*س*د» المرتبطة بالاحتلال الأميركي، بالسيطرة على حقول النفط الرئيسة شمال شرق سورية، وشرقها على طول شاطئ الفرات، ليبدأ من هنا مسلسل جريمة سرقة النفط السوري. حيث تسرق أميركا ومرتزقتها ما يعادل 82% من إجمالي إنتاج النفط في سورية. ويتم نقل النفط المسروق إلى القواعد الأميركية خارج سورية، في الوقت الذي كان فيه السوريون مضطرين للوقوف في طوابير طويلة لساعات أمام محطات الوقود.
ويستذكر د.حسين المؤتمر الصحفي للرئيس الأميركي السابق ترامب يوم الأحد 27/تشرين الأول /2019 بشأن مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي حيث قال فيما قاله: «يجب أن نأخذ حصتنا الآن من النفط السوري، وما أعتزم القيام به هو عقد صفقة مع إحدى أكبر شركاتنا للذهاب إلى هناك والقيام بذلك».
مبيناً أن هذا التصريح كان الضوء الأخضر للبدء بسرقة النفط السوري، بناءً على تعليمات رأس هرم السلطة في الولايات المتحدة الأميركية. حيث قال بروس ريدل، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق والباحث في معهد بروكينجز البحثي «هذه ليست مجرد خطوة قانونية مريبة، بل إنها ترسل كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أميركا تريد سرقة النفط السوري».
ويلفت د.حسين إلى أنه على الرغم من أن الرئيس الأميركي السابق ترامب، أشار إلى اسم “إكسون موبيل” في اجتماعين مهمين للعمل في حقول النفط الواقعة شمال شرق سورية، فإن “عملاق النفط”، لم تكن على استعداد لتحمل عبء الدخول إلى شرق الفرات، وتحمل مسؤولية مخاطبة “حزب العمال الكردستاني” بشكل مباشر.
د.حسين: الرئيس المشترك للجناح السياسي ل ق*س*د إلهام أحمد
تفوض رجل الأعمال الإسرائيلي “كاهانا” ببيع النفط السوري
فرفضت “إكسون موبيل” العرض قائلة: “لأنه ليس لدينا حق شرعي وقانوني فلا يمكننا الذهاب إلى هناك” ما أدى لتغير الخطط بهذا الشأن.
وكشف أن المباحثات بين مسؤولين أميركيين وزعيم “ق*س*د” مظلوم عبدي، الطفل المدلل لأميركا، تمخضت في تموز/يوليو 2020 عن توقيع اتفاق مع شركة “دلتا كريسينت إينرجي – Delta Crescent Energy”، التي تملك ماضياً مليئاً بالفضائح. وذلك إمعاناً في التمادي والسرقة من قبل أميركا وق*س*د.
مشيراً إلى أن الشركة الأميركية العملاقة، بدأت عملها في الحقول التي تحتلها ق*س*د شرق الفرات لزيادة إنتاج النفط اعتباراً من 20 تشرين الأول/ 2020، وبحلول شباط/ 2021، وصل الإنتاج إلى 60 ألف برميل يومياً.
وفي شهر أيار/ 2021 أنهى الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، عمل شركة “دلتا كريسينت إينرجي – Delta crescent Energy” للنفط الأميركية في سورية، التي كان سلفه، دونالد ترامب، قد وافق عليها. ولكن من المعلوم للقاصي والداني أن القوات الأميركية ما زالت حتى اليوم؛ بالتنسيق مع “ق*س*د” وشركات نفطية أميركية، تخرج الأرتال المحملة بالنفط المسروق من الأراضي السورية إلى قواعدها في شمال العراق.
الكيان “الإسرائيلي” حاضر
ويكشفت د.حسين نقطة غاية في الخطورة. تؤكد أن سرقة ق*س*د للنفط السوري، تجاوزت المحتل الأميركي إلى “الكيان الإسرائيلي” العدو اللدود للشعب السوري.
إذ يميط د.حسين اللثام عن رسالة موقعة من إلهام أحمد، الرئيس المشترك لما يسمى “مجلس سورية الديمقراطية” الذي يرمز له اختصاراً ”م*س*د”، و هو الذراع السياسية لما يسمى “قوات سورية الديمقراطية” “ق*س*د”. تعطي فيها تفويضاً لرجل الأعمال الإسرائيلي “موتي كاهانا”، لتمثيل ما يسمى “مجلس سورية الديمقراطية” في جميع المحافل المتعلقة ببيع النفط السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة ق*س*د.
ويؤكد د.حسين أن “موتي كاهانا” يدخل إلىٰ شمال شرق سورية بشكل مستمر عن طريق تركيا. مشدداً على أن “كاهانا” عضو فاعل في جماعات “الضغط الإسرائيلية” (اللوبيات الصهيونية) مثل: أيباك وغيرها في العاصمة واشنطن.
ويضيف قائلاً: وإذا علمنا أنّ 80% من النفط السوري، ونصف غازها، يقعان في مناطق خاضعة لسيطرة ق*س*د، فهذا يعني أنّ الولايات المتحدة الأميركية وضعت يدها على معظم الثروة النفطية والغازية السورية، بموجب الاتفاقية الموقعة بين ق*س*د وشركة “دلتا كريسينت إينرجي – Delta crescent Energy“ وربما اتفاقيات أخرى قادمة، وحرمت الشعب السوري من استثمار هذه الموارد في عملية إعادة الإعمار، ما أدى – وسيؤدي – إلى تفاقم معاناة الشعب السوري، ولاسيما مع استمرار عقوبات “قانون قيصر”.
كما يكشف د.حسين عن قيام قوات الاحتلال الأميركي وأعوانها، بإنشاء خزانات كبيرة في منطقة قريبة من نهر دجلة في منطقة المالكية في أقصى شمال شرق الحسكة، على المثلث الحدودي بين سورية وتركيا والعراق. يتم عبرها تهريب النفط المسروق باتجاه شمال العراق، إلى جانب إدخال كميات أخرى إلى مناطق سيطرة الإرهابيين في الشمال السوري عبر الأراضي التركية.
جزء بسيط من “حجم السرقات”
المدير التنفيذي للشركة البريطانية “جون بيل” وفي تصريح له في موقع “إينرجي فويس” كشف عن جزء بسيط من الكميات التي يسرقها الاحتلال الأميركي و ق*س*د من النفط في المنطقة التي كانت تعمل فيها الشركة قبيل الحرب على الإرهاب والمسمّاة “البلوك 26“ شمال شرق سورية قائلاً : “إن ق*س*د تنتج نحو 20 ألف برميل يومياً منذ عام 2017 من البلوك 26، أي أنها أنتجت أكثر من 41 مليون برميل من النفط بشكل غير مشروع، بمتوسط سعر 70 دولاراً للبرميل، بقيمة إجمالية تقريبية تُقدر بنحو 2.9 مليار دولار أمريكي من البلوك 26 وحده“.
وإذا كان هذا هو حجم السرقات من بلوك واحد، فلكم أن تتصوروا حجم سرقات الاحتلال الأميركي من جميع حقول النفط السورية الواقعة تحت سيطرة الميليشيات المرتبطة به ق*س*د، منذ 2017 وحتى اليوم.
اقرأ أيضاً: