صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية
فرضت الصين نفسها كقوة اقتصادية عملاقة، حيث أصبحت منتجاتها تغزو أسواق العالم كله بما فيه دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وعقدت الصين اتفاقيات اقتصادية مع الكثير من دول العالم، ما أثار حفيظة الولايات المتحدة التي بدأت بشن هجوم على الصين متهمة إياها بخرق الاتفاقيات الدولة، وقد بدا هذا واضحاً خلال الهجمات الإعلامية التي شنتها الولايات المتحدة على الصين بسبب عقد اتفاقيات بينها وبين إيران وهو ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في مقال أوضحت فيه أن الحرب الاقتصادية الأمريكية على الصين بدأت باستهداف شركة هواوي الصينية من خلال فرض حظر عليها، ما يعبر عن خوف الولايات المتحدة من فقدانها مكانتها الاقتصادية ورغبة الصين في مواجهة الاحتكار التكنولوجي لواشنطن التي تمتلك الكثير من الشركات العملاقة على غرار غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون.
وبدا واضحاً من خلال ما أكده محللون اقتصاديون انعدام الثقة بين العمالقة الاقتصاديين بسبب نمو الصين اقتصادياً وسعيها لقيادة الاقتصاد العالمي والمجال التكنولوجي، ما جعل الولايات المتحدة تشعر أن نفوذها مهدد.
لقد بدأت الحرب التجارية الحقيقية بين الولايات المتحدة والصين منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 22 آذار عام 2018 عن فرض رسوم جمركية تتجاوز الـ 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية، وكرد من الحكومة الصينية، فرضت هي الأخرى رسوم جمركية على أكثر من 28 منتج أمريكي أشهرها فول الصويا.
وأصبحت الرسوم الأمريكية على ما قيمته 34 مليار دولار من البضائع الصينية فعالة في السادس من تموز الماضي وقامت الصين بفعل المثل على نفس القيمة مع العلم أن هذه الرسوم تمثل ما قيمته 0.1% من إجمالي الناتج المحلي.
في 22 شباط 2021 دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى رفع القيود المتعددة التي فرضها ترامب، بينما طالب بوقف التدخل في الشؤون الداخلية للصين.
وفي خضم ذلك اختلت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حيث يريد صناع السياسة على غرار كورت كامبل، كبير مستشاري بايدن في شؤون آسيا، التعامل مع بكين من خلال إحياء التحالفات والشراكات الآسيوية التي تضررت في عهد الرئيس السابق ترامب.
اللافت أن الولايات المتحدة لم تتوان عن استخدام نفوذها الأمني والاقتصادي لإبرام مشاريع مثل اتفاق الشراكة العابرة للمحيط الهادي، ولكن النفوذ الاقتصادي الأمريكي بآسيا آخذ في التراجع في وقت يتنامى بسرعة هائلة نفوذ الصين التي تبذل جهداً كبيراً لتحل محل واشنطن في الدفاع عن تحرير التجارة الإقليمية والاندماج، وهو ما جعل الولايات المتحدة تهدد بفرض عقوبات اقتصادية على الصين وجاء ذلك على لسان رئيسها الجديد بايدن الذي يبدو وكأنه يريد السير ضمن خط سلفه ترامب حيث قام بإطلاق تصريحات اعتبرت مستفزة للصين التي ازدهر اقتصادها بشكل ملحوظ بعد تعافيها السريع من تداعيات وباء كورونا.
يعد إتمام بكين الناجح اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تضم 15 دولة بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ دون الولايات المتحدة تأكيد على دور الصين المهم وعلى أنها مركز تجاري إقليمي، حيث ترى دول جنوب شرق آسيا نفسها أكثر اعتماداً على الصين لتحقيق النمو حتى أن حلفاء الولايات المتحدة المخلصين مثل اليابان وكوريا الجنوبية يشعرون بالقلق من القوة الجيوسياسية المتصاعدة للصين ويعترفون بالتبادل التجاري بينهم وبين بكين.
وكثيراً ما رأى محللون أن الاتفاقيات التجارية وسيلة أساسية لدعم العلاقات الأمنية الدائمة، لكن حديث بايدن عن إعادة بناء الطبقة الوسطى في بلاده، فيه إشارة واضحة على أن المعاملات التجارية للصين مع الولايات المتحدة ستصبح أصعب من قبل.
لقد أكد الخبراء الاقتصاديين عدم وجود تغييراً في السياسة الأمريكية تجاه الصين في عهد بايدن بفارق كبير عن سلفه ترامب لكنها ستكون أقل صرامة وعدائية.
إن الصراع بين أمريكا والصين سيأخذ منحى أكثر شمولية خلال السنوات المقبلة وسيكون للتحالفات الاقتصادية دوراً بارزاً في معادلة التنافسية بين واشنطن وبكين، كما أن التهديدات الأمريكية للصين ستزيدها قوة ونمواً في علاقاتها الاقتصادية مع العالم، فهل سيأخذ توتر العلاقات بين البلدين من جراء التهديدات الأمريكية للصين وقتا طويلاً؟