عودة إلى «حديث الضم».. علماً بان “الضم” قائم واقعاً بحكم الاحتلال تماماً كما هو الحال مع ما يسمى “صفقة القرن” التي جرى تنفيذ أخطر بنودها من دون الاضطرار إلى تبنيها رسمياً حتى لا يتم تسجيلها ضمن وثائق السياسات الخارجية الأميركية، ففيها اعتراف ببعض “الحاجات” -وليس الحقوق الفلسطينية- ولم تكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أبداً في وارد ترجمة هذا الاعتراف على أرض الواقع؛ الهدف كله من “صفقة القرن” كان التثبيت والفرض، تثبيت “كيان الاحتلال الصهيوني” على الأرض الفلسطينية كلها، بالعسكرة والاستيطان والاقتصاد والسياسة.. وفرضه إقليمياً بصورة مُعلنة، أي رسمية، عبر “اتفاقات” التطبيع.
فقط «تنفيذ الضم» من بين بنود “صفقة القرن”، بقي قيد التأجيل، أو كما يُقال لم يُسعف الوقت إدارة ترامب لتحقيقه في الولاية الأولى فتم تأجيله إلى الولاية الثانية التي لم تتحقق.. لتأتي إدارة جو بايدن التي تقول بأنها ستتبع سياسات “مختلفة” “تنصف” الفلسطينيين عبر إعادتهم إلى موقع «الطرف» وليس «الملحق» كما عاملتهم إدارة ترامب، أي أن يتم التعامل مع طرفين، فلسطيني و”إسرائيلي”، وليس الإسرائيلي فقط..
المقدمات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لا تشي بالتفاؤل خصوصاً مع تبني إدارة بايدن أغلب سياسات ترامب تجاه الفلسطينيين، أما ما تقوله هذه الإدارة عن معارضتها للاستيطان ولضم الضفة الغربية فهو حتى الآن لا يعدو كونه كلاماً، وها هي “إسرائيل” تضع معارضة واشنطن للاستيطان على المحك، أو لنقل تكشفها، وتعود إلى حديث الضم، كما جاء أمس على لسان وزير الاستيطان تساحي هنغبي.
والسؤال: لماذا تعود “إسرائيل” إلى مسألة الضم، علماً أنها في حقيقة الأمر لا تعد عودة، فهي لم تكف عن «حديث الضم»؟
قد تكون رسالة إسرائيلية إلى إدارة بايدن، رداً على تراجعات اتخذتها بخصوص قرارات إدارة ترامب، مثل إعادة الاتصالات مع «الطرف الفلسطيني» وفق «حل الدولتين» وإعادة المساهمات المالية الأميركية في وكالة “الأونروا”، وتغيير تسمية حساب «السفير الأميركي في إسرائيل» إلى «السفير الأميركي في إسرائيل والضفة الغربية وغزة» وهو ما يُمثل حسب المحللين والمراقبين «اعترافاً من إدارة بايدن بأن الضفة الغربية وغزة أراض فلسطينية لها تمثيل دبلوماسي».
وكانت إدارة ترامب قد أزالت من السجلات والحسابات الأمريكية وصف «المحتلة» من الضفة الغربية، تماشيا مع “صفقة القرن”.
وهذا يعني، حسب المراقبين، أن إدارة بايدن ستعيد الأمور إلى المربع الأول، وهو ما تخشاه “إسرائيل”.. ولكن في هذا مبالغة كبيرة، فإدارة بايدن ثبتت أخطر قرارات ترامب حول القدس المحتلة، ونقل السفارة الأميركية إليها؛ وهي تتحدث بشكل متواصل عن معارضتها للاستيطان والضم، لكن الاستيطان مستمر، والضم قد تتخذه “إسرائيل” في أي وقت.
يُضاف إلى ما سبق -وفي إطار الرسالة الإسرائيلية- أن عدة مسؤولين في إدارة بايدن أعلنوا أن «الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي» ليس من ضمن أولوياتها (الأربعة الأولى على الأقل) والتي تتركز في السيطرة على كورونا، ومواجهة التغيرات المناخية، وتحقيق العدالة العرقية، وإعادة بناء الطبقة الوسطى.
كما يأتي حديث الضم بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم حرب محتملة ارتكبتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، وذلك بعد قرارها مدّ ولايتها القانونية على كامل الأراضي الفلسطينية.
ويزعم الكيان الصهيوني بأنه من غير المنطقي أن يعيش نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية خارج “القانون الإسرائيلي”؛ لذلك لا بد من الضم؛ وهذا زعم لا أساس له على أرض الواقع حيث إن الفلسطينيين هم من يعيش تحت السطوة الإسرائيلية من جهة، وجرائم المستوطنين من جهة ثانية (قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم الضفة الغربية يومياً، تهدم منازل فلسطينيين وتعتقل وتسجن وتقتل).
وعليه فإن فريقاً من المراقبين يرى أن عودة حديث الضم تأتي في إطار الضغوط على الفلسطينيين الذين يجهزون حالياً فريقاً لزيارة لاهاي ولقاء المدعية العامة للجنائية الدولية فاتو بنسودا لبحث الإجراءات المطلوبة من الجانب الفلسطيني في إطار تقديم مسؤولين إسرائيليين متهمين بجرائم حرب للمحاكمة.
وفي الرسائل أيضاً، ترى “إسرائيل” أنه لا بد من إبقاء الحديث عن الضم قائماً، في إطار تأكيد أنها لم تتنازل عنه مقابل أي شيء قدمه أو سيقدمه الجانب العربي، حيث كان هناك حديث عن أن اتفاقيات التطبيع التي جرت في الأشهر الأخيرة من ولاية ترامب كانت مقابل إلغاء الضم. وكانت “إسرائيل” منذ ذلك الوقت أكدت أن ذلك غير صحيح وما حدث هو تأجيل وليس إلغاء، ومنذ ذلك الوقت أعلنت غير مرة أن الضم سيُنفذ عاجلاً أم آجلاً، وهو إذ لم يُنفذ في عهد ترامب فبسبب صراعات داخلية إسرائيلية وانتخابات تم إعادتها لثلاث مرات، والرابعة قادمة في 23 آذار الحالي.
يُضاف إلى ذلك، أن “إسرائيل” ومن خلال حديث الضم تريد تأكيد أنها لن تقبل بقيام دولة فلسطينية، وستبقى تلعب بورقة الوقت، لاعتقادها أنه كلما تقادم كلما طوى صفحة من صفحات القضية الفلسطينية.
لكن رهانات “إسرائيل” على عامل الوقت، ثبت بالدليل أنها لم ولن تكون مجدية، بل مع مرور الوقت يزداد الفلسطينيون تمسكاً بحقوقهم المشروعة ولا يعولون على أي إدارات أمريكية، طالما أنهم شعب يقظ، يدرك حجم المؤامرات، ويؤمن بالمقاومة، ولديه الإرادة لتغيير المعادلة وقلب الطاولة على رأس الاحتلال.