«موضة» التحالفات!
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تتعاطى مع شؤونها السياسية كما تتعاطى دور الأزياء العالمية مع منتجاتها، حيث من المعروف عن بدهيات العمل الاستعراضي أن التصميم هو فن وقتي أو موسمي، ويُعرف أيضاً بأنه (كيان) يبتكر دائماً التجديد في خطوطه ومساحاته، والترويج له يبدأ مبكراً للون السنة لأهم البدلات وفساتين السهرة والأحذية.. و«صرعة الموضة» لابدّ لها من اسم يحمل منتجها، فيكون لكل طريقة اسم مصمم، وأمريكا اليوم باتت الاسم الأول في تحقيق «الصرعات» السياسية تحت مسمّى يحمل صفة (التحالفات).
فهذه هي سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي تعلن عن عزم بلادها تشكيل «تحالف دولي» جديد «للتصدي لإيران»، ويكون بذلك «اللون السياسي» للفترة القادمة، والذي يمكن أن نسميه مجازاً «تحالف هايلي»، نسبة إلى السيدة التي أعلنت فكرة هذا «التحالف الجديد»، ولابدّ من أن السيدة هايلي ومشغليها قد وضعوا نصب أعينهم وظيفة الشيء المُراد تصميمه، وتحديد جنسية «عارضات الأزياء» اللاتي سيبرزن مفاتن موضة «التحالف الجديد»، ومن «إسرائيل» والسعودية اللتين أعلنتا تأييدهما لهذا التحالف سيكون البدء، وسيبقى باب الاستعراض مفتوحاً لاحتماليات متنوعة الاختيار في الانضمام.
تحالف «هايلي» جاء في هذا الوقت للتعمية على ما يجري في فلسطين المحتلة بعد إعلان دونالد ترامب القدس «عاصمة لإسرائيل» في إطار ما يسمى (صفقة القرن) التي أعلن عنها ترامب، والعرض لم يكتفِ بهذا الحدّ من العهر السياسي الذي يدفع «بالعارضة الشهيرة» لبيت أزياء النظام السعودي وزير خارجيته عادل الجبير للادعاء بأن إدارة ترامب «جادة بشأن إحلال السلام» بين الإسرائيليين والعرب، ولينفي هذا الجبير وجود أي علاقة للمملكة مع «إسرائيل»!.
الولايات المتحدة الأمريكية اشتهرت باستعراضاتها من خلال أهم مصممي السياسة الأمريكية، فكان استعراض «تحالف» ما يسمى «محاربة داعش» في سورية والعراق، هذا «التحالف» الذي لم يخفَ على أحد أنها هي من صمّم الخطوط العريضة لـ«صرعته»، وضمن ورشاتها ومعاملها تم تصنيعه والترويج له كمنتج جاهز للعرض في أسواق مصالحها.
وسيناريوهات من قبيل ما ارتكبه طيران «التحالف» من مجازر في دير الزور والرقة، ونقل إرهابيي التنظيم إلى مواقع آمنة لإنقاذهم من ضربات الجيش العربي السوري والأصدقاء ليس إلا تأكيداً للمؤكد.
وهناك «تحالف» آخر، من «مطبخ» التصاميم السياسية ذاتها يسمى (تحالفاً إسلامياً)، وتحت ذريعة «مكافحة الإرهاب» يتم قتل أطفال اليمن ودعم التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق، وتغيير بوصلة العداء من «إسرائيل» إلى إيران ومحور المقاومة ليشكل كل ذلك الإجرام العناوين الرئيسة لهذا الاستعراض.
«تحالف هايلي» لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، فـ«الموضة» دائماً تحتاج إلى ما هو جديد، والمصمّم السياسي الأمريكي يدرس دائماً عناصر التكوين من مزاج الجمهور القابل للتعايش ضمن أنسجة «موديلاته» الآنية القابلة للتغيير والتبديل، ويترجمها إلى تصميم مستحدث ومعايش لظروف الواقع بصورة سياسية مبتكرة تناسبه، ويجب أن تحقق له عدة وظائف ومكتسبات، فصاحب دور العرض ينتظر أخيراً الربح المنشود.
«موضة التحالفات» كأي «موضة» يصنعها الغرب، ستطرح في الأسواق، فهل سيقبلها العرب من دون النظر لما يناسب أجسادنا العروبية؟ هنا مكمن السؤال.. لأن الـ«هايلي» عبّرت عن كيفية تعاطيهم مع «الموضة» وارتدائهم ليس ما يناسبهم منها فقط، بل ما يستطيعون استغلاله لتحقيق غاياتهم.. تقول هايلي في لقاء مع منظمة (آيباك): «أنا لا أنتعل حذاء بكعب طويل من أجل الموضة، لكن لكي أركل به كل ما أراه خاطئاً من وجهة نظري».
m.albairak@gmail.com