«داعش» في العناية المركّزة
يفترض «ريموند بيرل» أن طول العمر يتفاوت عكسياً مع معدل الاستقلاب الأساس «فرضية معدل الحياة»… والمتابع لأخبار تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية» «داعش»، الذي بات عاجله صوراً متتالية لجهاز تخطيط كهربائي يوصّف الحالة السريرية الحرجة التي وصل إليها التنظيم، حيث هزائمه تدخله العناية المركزة في محاولة يائسة لتحقيق أي إشارة كهربائية في أنسجة وجوده السرطاني المنتشر في «سورية والعراق»، التي باتت تنكمش يوماً بعد آخر بعد انتشار وتمدد كان يأمل متزعمو التنظيم وداعموه أن يتوسع ليكون قاعدة جيوسياسية قابلة للحياة على حدّ زعمهم.
لكن الخسارات الكبيرة، التي لم تكن آخرها الموصل «العاصمة» التي أعلن منها التنظيم «الخلافة»، لتنهال عليهم الخسارات الجغرافية في العراق، ولتقصم ظهر ما ادّعوه «دولة» في المدن السورية، أفقدت التنظيم مواقع سيطرته ففقد بذلك مرونة الحركة والإمداد والدعم اللوجستي الذي كان يتلقّاه، إضافة إلى فقده السيطرة على موارده المالية ومتزعمين بارزين في عصبتهم الإرهابية، ليتفاوت طول عمرهم الافتراضي الإرهابي عكسياً مع معدل استقلابهم الجيوسياسي، وليدخل مرحلة الصراع من أجل البقاء.
هنا كان لابدّ من تدخّلات إسعافية للقوى التي «أنجبت» التنظيم بولادة قيصرية مدروسة التفاصيل من لحظة «الخلوة» غير الشرعية حتى ساعة الولادة والنشأة المتغيرة «لوليد معوق» في الزمان والمكان وفي أكثر من منطقة، بدءاً من أفغانستان و«طالبان» وصولاً إلى العراق وسورية، ولن تكون ليبيا آخر المطاف.
داعمو دولة «الخلافة الإسلامية» المريضة في العراق وسورية سيحاولون تقديم آخر السبل والطرق لإنعاش ربيبهم، وتقديم ما يلزم من معدات وأجهزة ودعم نفسي ولوجستي ريثما تنتهي كل «كروت» اللعب الظرفي من بين أيديهم، واستغلال كل شاردة من واردات أجنداتهم المسيّسة لكسب الوقت، وحتى يضمنوا بقاء بعض خلاياه نشطة قبل أن يتم استئصاله من سورية والعراق بإرادة حقة لدول ذات سيادة يساندها في تحقيق النصر الحلفاء والأصدقاء.
إذاً، هزيمة «داعش» باتت قاب قوسين أو أدنى ومرمى هدف، لتعلن عن قريب القوى الداعمة للتنظيم التكفيري رفع «أجهزة الإنعاش» عن مريض «العناية المركزة» الذي سيتحوّل إلى مجرد تشكيلات مسلحة مشتتة في أصقاع يحددها له أصحاب النَسَب.
وما بقاء التنظيم شبه الميت سريرياً حتى الساعة في صحراء سورية والعراق إلا حالة تكتيكية من الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها «إسرائيل» لرفع معنويات المريض، ولو شكلياً، ليكون «فزّاعة» حضور لها في مناطق مازالت تنشد تحقيق أي مكاسب فيها، حتى لو كانت جزئية، لتشاركهما تركيا المأزومة اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً، فهي لم تستطع الدخول إلى البيت الأوروبي الرافض حتى اليوم حضورها، كذلك تأشيرات الدخول لجوازات السفر التركية ممنوعة في المطارات الأمريكية، إضافة إلى مشكلتها مع الأكراد وفكرة الانفصال، كل هذه الأسباب دفعت تركيا بشخصية رئيسها إلى تقطيع بعض الحبال التي تحركها كدمية خشبية، حاله في ذلك حال شبيهه المسيس الملك السعودي، ليطرق كلاهما أبواباً جديدة، فيصير أردوغان في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والسعودي في روسيا، فقد استيقظوا أخيراً لفكرة أن أمريكا لم تكن، ولن تكون يوماً، حليفاً ثابت المنهج والسياسات، فصديقها اليوم آني حسب مصالحها، وإن صار وهبّت دونه رياح المصالح كانت أمريكا أول من يساهم بدهس الاتفاقيات، أما عدوّها فالجميع عدوّها – باستثناء «إسرائيل» الحليف الدائم لكل زمان وفي أي مكان – حتى يثبت العكس بتبييض فأله وولائه، وضخ أمواله في مصارفها ومحافلها الدولية.
m.albairak@gmail.com