عودة «l’imbécillité»
تشرين- ادريس هاني:
«سبحان مبدِّل الأحوال، تتسارع الأحداث في سورية.. نازحو الأمس من مدنهم وقراهم – وكانوا أطفالاً وشباباً يافعين – يعودون مظفرين في عملية ردع العدوان، ليحققوا لهم حلماً وأملاً كانوا يظنونه صعباً، فيسَّره الله مع تبدل الأحوال».
ردع العدوان هو أخ «طوفان الأقصى» كلاهما ينشد أصحابه الحرية والكرامة، وسيكون لأحداث اليوم تأثير كبير في المستقبل إذا خلصت النيات لله، وكان هناك حرص على جمع الكلمة، وتواضع الجميع لأبناء وطنه، في بناء المشرق الجديد، الذي يمكن أن تسهم فيه الشعوب بوعيها وصبرها وتفانيها.
+ + + +
هذه تغريدة العثماني (سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية السابق) المثقلة بالحنين إلى زمن جهاد مسلح ليس لهم منه نصيب سوى النفخ في ناره، رئيس الحكومة الملتحية سابقاً ورئيس حزب العدالة والتنمية سابقاً وقادماً، وهي تلخّص كلّ شيء، بالفعل صدق من قال: لا تثقوا في الإخوان، إنّهم حقّاً جُبلوا على المعارك الجبانة، المعارك الخطأ، وفي هذا الهُراء ما هو بالفعل مديح للإرهاب ولـ«النصرة» التي تسكن قلوب قوم لم يجدوا فرصة لتصريف عنفهم الرمزي إلى عنف مادّي.. في هذه التغريدة يوجد من التّفاهة ما يكفي، لكن هناك ثلاثة هراءات أثارت انتباهي:
الأولى – أنّ زعيم الظلامية الكيدية يُسبح الرب على كون أطفال النازحين عادوا مظفرين في معركة ردع العدوان بعد أن كبروا، والحقيقة أن من عاد هم أبناء وشباب النصرة وداعش، هم من عاد أو أعادوهم للمشهد في لحظة تعامى عنها تدليساً، صاحب كتاب «المشاركة السياسية عند ابن تيمية» ذلك الذي خطّأ النبّي (ص) في كناشه (أي أوراقه) المسماة: «تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية»، لكنه يمنح العصمة الكاملة لابن الطاجيكية والجولاني في تصرفاتهما بقيادة الخراب وتطبيقاته الإرهابية.
الثانية – أنّ منظر الجغرافيا السياسية الملتحية يزعم غباءً وكيداً أن ما سمته ميليشيا الطاجيك وأبو محمد الجولاني بردع العدوان، هو في نظر المُوقِّع، أخ لطوفان الأقصى، والحقيقة أنّ طوفان الأقصى نفسه مدين للمحور المعلوم، وبأنّ جيش الجولاني هو امتداد طبيعي للواء غولاني.
الثالثة- ثالثة الأثافي، أنّه يعتبر هذا الحدث طريقاً لشرق أوسط جديد، وهو يشترط أن يكون ذلك بصبر وبإخلاص النية، الشرق الأوسط الجديد الذي خرج من جبة شيمون بيريز وكوندوليزا رايس ولكنه يستند إلى مشروع برنار لويس وخريطته التجزيئية، إنّ رئيس الحكومة الأسبق، يحنّ إلى منبر «إيباك» ويطرق مباشرة باب الإبراهيمية طمعاً في العودة إلى الحكومة، وهذا شكلٌ من الاستقواء بالخارج، وتوافق مع هدف الاحتلال بخصوص مشروع شرق أوسط جديد، لكن، لنذكّر من فاته القطار، بأنّ هذا الدّور أعطي في عهد بوش الابن لمن هو أكبر في التموضع الجيوبوليتيكي: أردوغان، والذي عبّر عنه في خطاب شهير بأنّه رئيس مشروع الشرق الأوسط الجديد، هل يا ترى يتهيّأ صاحب التغريدة للدخول في مشروع تتاري جديد، عودة العثمنة إلى الإقليم؟
لم يعد مهمّاً ما صرّح به من كان يوماً رئيس حكومة، وصفها وزير الأوقاف السابق بالحكومة الملتحية، ليس مهماً تحليل ما سماه بكيدية: توافق ردع العدوان مع طوفان الأقصى، يا له من ردع جعل البوصلة تنقلب 180 درجة إلى شكل من الحروب التي تقودها سُلالة القاعدة، سننسى غزّة، لأنّ الوفاء للتّطرّفات مغروس في الأعماق السحيقة للنّحْلة المُدلسة، ينسى الغبيّ بأنّ صنو جيش الجولاني هو لواء غولاني، وبأنّ ما يسمونه معارضة، هي ميليشيا الطّاجيك والقاعدة التي تناسلت، وها هم أولادها حقاً عادوا لإشغال الأمّة بالحروب الخطأ.
لكن، لنُذكّر من كان رئيساً للحكومة، بتلك السنوات قبل بلوغ حزب وفيٍّ لظَلاَميته مرحلة التدبير في شروط استثنائية مشهودة، لمّا عقد توءمة بين حزبه وبين حزب البعث العربي الاشتراكي، وذلك طمعاً في التمكين، لقد داس يومها على الإخوان أنفسهم، وتجاهل أنشودة أبي راتب: فوق المنابر قف ونادِ، حتى في هذه المساحة، لا شيء يعلوا على الانتهازية.
يومها كنت مدركاً لهذا التدليس، وحتى حين اختفى «الدواعش» وبدؤوا يتحسسون انتصار دمشق، بدأت رموزهم تغيّر الخطاب، وتزحف كالرقطاء وكأنّ شيئاً لم يحدث مع إنهم يتحملون المسؤولية المعنوية لمن تدفق من المسلحين على سورية، بل حتى إنّ أمين جماعتهم الدعوية حضر مؤتمر بيروت الذي رفع شعار فك الحصار عن سورية، إنّه التدليس الذي تعدّه الجماعات المذكورة ضرورة لخدمة أغراض دعوتها.
بعد 13 عاماً من خلط الأوراق، لم نعد في حاجة إلى مزيد من تحليل المشهد السوري، عام من صمت الجماعات الإرهابية حيال أحداث غزّة، فجأة تنهض لتُكمل المشوار، مدججة بما لم يكن في الحسبان، البركة اليوم في التّتار، وجب أن نصدّق الطاجيكي والجولاني، فهم كما مسانديهم يعتبرون أنفسهم الجيش الوطني، كما يعتبرون الجيش العربي السوري ميليشيا، لقد وصلت المسيّرات الأوكرانية إلى أيدي المسلحين، الأمر صدر من قائد الإبادة الجماعية، وتلقفه العملاء، سيشغلنا الجولاني والطاجيكي عن غزة، ثم ليس من حقّك أن تتأوّه، طارت ولو كلب.
سنتابع الفيلم بلغة مدبلجة، لأنّ المسلحين اليوم يتحدّثون لغة المغول والتتار، والإخوان كالرقطاء، عادوا إلى سرديات مروان حديد وسعيد حوى وزين العابدين سرور، وسرعان ما كفّت الأرض أن تتكلم عربياً.
الفيلم في نسخته الثانية مختلف عن النسخة الأولى، لم تعد هناك حاجة إلى مزيد من خلط الأوراق، ستنشأ في الهلال الخصيب يوتوبيا مخملية، وظيفة الطاجيكي هي استنزاف وصرف النّظر عن مخطط التقسيم، وغرفة العمليات اليوم مشتركة، والسلاح الذي لم يصل إلى غزّة هو اليوم يتدفق على ريف حلب وإدلب، قال أحد الأغبياء: لو انتصر هؤلاء لتغير وجه الشرق الأوسط، وهذا صحيح، إن صدّقنا الدجل السياسي، سيتغير بشروطهم، أدوات تافهة لمشروع تخريب المنطقة، ومع ذلك لا حقّ في التّأوّه، ولكننا ننتظر «الشّقلبة» الكبرى.
لقد تأخّر الرّد السوري على الميليشيات المسلحة، في انتظار استكمال حركة النزوح، وحينما بقي المسلحون يتسكعون في المراكز ويلتقطون السيلفي في الوقت بدل الضّائع للعبتهم الجبانة، تمّت محاولة تطويقهم ثم قصف مواقعهم ليعودوا إلى جحورهم، هذه المرة ستكون الضربة قاضية، لأنّ المعركة برّية بامتياز، قريباً سنسمع عن خبر تحطيم هذا الغباء المسلح، فالميدان هناك ليس خالياً، ففي بيان المسلحين دعوة السكان إلى عدم العودة قبل أن تنتهي العمليات العسكرية، في إيحاء بأنّ ابن الطاجيكية هو من يمثل الشعب السوري، لكنه بيان يحمل تناقضاً مهولاً، ذلك لأن البيان يؤكد عدم وجود أهالي بعد النزوح، لكنه يصف الضربات الموجهة إلى جيش الجولاني بأنه قصف للمدنيين، هذه الأكذوبة الشائعة، لجبناء لا يملكون الشجاعة في المواجهة الصفرية، وهم مدججون بأسلحة تفوق أسلحة الجيش العربي السوري نفسه، بالمسيّرات الأوكرانية والدبابات التّتارية والاستشارات العسكرية من ضباط “بنو النّضير” ونظراؤهم.
لنترك الميدان، فهو سينطق قريباً بلغة تدمير قلاع الإرهاب عن بكرة أبيها، فالقادمون هم أكثر خبرة في حرب المدن والبراري، وهم أكثر غضباً وأشرس قتالاً من فرق لا تحسن الاستعراض العسكري، كما ستدحض كلّ المفاهيم الملتبسة التي يُؤمّنها إعلام الظلامية الذي أصبح يتحدث لغة التحرر والكرامة، كما لو أنّ الظلامية تقود اليوم حرب التحرير، لقد كان متوقّعاً أن تحدث هذه الرّدة أو بالأحرى عودة الظلامية إلى لغتها القديمة، ولأنهم جبناء، فهم لا يتحدثون لغتهم ومفاهيمهم، بل يختبؤون وراء شعارات التحرير والكرامة والديمقراطية: أولاد عيشة قنديشة..
سأدلُّك على تفاهة منطقهم، إنّهم اهتدوا إلى مغالطة المُلاوغة، أي يتحدثون لغة المنطق، يتحدثون لغة التحليل، والموضوعية، والتحقيق وعدم الانفعال، لكنهم يسندون مواقفهم الأيديولوجية في رويّة مسمومة، لقد تدربوا على التدليس برباطة جأش، وهل يوجد في شروط حرب ضروس وأحداث حارقة حديثٌ في السياسة هادئٌ؟
إنّهم يعزفون على وتر التمكين، وبينما كانوا يتهيّؤون لاختراق سورية بعد أن وضعت الحرب أوزارها، ها هم يعودون ليسندوا المسلحين بوقاحة أكبر، إنّ ما سميّ بمحور الممانعة هو نفسه يضع نفسه موضع الطِّعان والغدر، ولكن تظل سورية أكثر وعياً بوخزة الإخوان وغدرهم، إنّهم أكثر وعياً بهذه الملّة التي لا تصدق أبداً، وهي لا تستغني عن الرّافعة الإمبريالية، إنّ الانتهازية تعمي، تعمي حدّ الغباء.
كانت الأمور تتجه نحو حلّ سياسي، هكذا بدأ الاقتناع، وعادت سورية إلى حضن جامعة الدول العربية، لكن أجندة الإخوان ومن يساعدهم لا تأبه بالعهود، فما أن حصل الاتفاق مع الاحتلال وأُعطي الضوء الأخضر لتشكيل غطاء دولي لهذه العملية، حتّى تمّ خرق الاتفاقات التي أبرمت مع دمشق بهذا الخصوص.
ترى، من له المصلحة في إشعال الجبهة السورية – بغضّ النظر عن كل هذا الهراء الذي تنقله التغريدات- من هم في هذه المعركة ليسوا إلّا أوزاغاً تأخذ حمام شمس على سطح إقليم متهالك؟؟